للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا نَصَّ فِيهِ، وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا. وَأَمَّا الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: لِلَّهِ فِيهَا قَبْلَ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ، أَوْ لَا، بَلْ حُكْمُهُ تَابِعٌ لِاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ. فَهَذَا الثَّانِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ، كَأَبِي الْهُذَيْلِ وَأَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا خِلَافُهُ. وَهَذَا فِي أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَاقِعَةِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ فَهَلْ وُجِدَ فِيهَا مَا لَوْ حَكَمَ اللَّهُ فِيهَا بِحُكْمٍ لَمَا حَكَمَ إلَّا بِهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ؟ وَالْأَوَّلُ: هُوَ الْقَوْلُ بِالْأَشْبَهِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ وَإِلَيْهِ صَارَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَابْنُ سُرَيْجٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

قَالَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": ذَهَبَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَشْبَهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا بَلْ هُوَ أَوْلَى طُرُقِ الشَّبَهِ فِي الْمَقَايِيسِ وَالْعِبَرِ، وَمَثَّلُوا ذَلِكَ بِإِلْحَاقِ الْأُرْزِ بِالْبُرِّ بِوَصْفِ الطُّعْمِ أَوْ الْقُوتِ أَوْ الْكَيْلِ، وَأَحَدُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَشْبَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبُ فِي التَّمْثِيلِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَوْلُ الْمُخْلِصِ مِنْ الْمُصَوِّبَةِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ لِلَّهِ فِي الْوَاقِعَةِ حُكْمًا مُعَيَّنًا، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: عَلَيْهِ دَلَالَةٌ أَوْ أَمَارَةٌ فَقَطْ، أَوْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ وَلَا أَمَارَةٌ. فَأَمَّا (الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) : وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْحُكْمِ دَلِيلًا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَهَؤُلَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِطَلَبِهِ، وَأَنَّهُ إذَا وَجَدَهُ فَهُوَ مُصِيبٌ، وَإِذَا أَخْطَأَهُ فَهُوَ مُخْطِئٌ، وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُخْطِئِ هَلْ يَأْثَمُ وَيَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ؟ فَذَهَبَ بَشَرٌ إلَى التَّأْثِيمِ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ وَغُمُوضِهِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي أَنَّهُ هَلْ يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ؟ فَذَهَبَ الْأَصَمُّ إلَى أَنَّهُ يُنْقَضُ، وَخَالَفَهُ الْبَاقُونَ.

وَأَمَّا (الْقَوْلُ الثَّانِي) : وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْحُكْمِ أَمَارَةً فَقَطْ فَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>