بِتَصْوِيبِهِمْ. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ قَوْلَهُمْ: إنَّهُ لَا حُكْمَ فِي النَّازِلَةِ مُعَيَّنًا، فَصَارَ كَمَنْ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْبَيْتِ مَتَاعٌ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدَ فِيهِ مَتَاعًا وَجَدَهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَعْنِي: لَا حُكْمَ أَيْ مُعَيَّنًا فِيهَا فَيُدْرَكُ قَبْلَ الطَّلَبِ، كَمَا يُدْرَكُ بِغَيْرِ طَلَبٍ مِنْ النَّصِّ الظَّاهِرِ، بَلْ فِيهَا حُكْمٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا يُدْرِكُهُ الْمُجْتَهِدُ عِنْدَ تَصَفُّحِ قَوَانِينِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ، تَلْحَقُ بِهَا الْجُزَيْئَاتُ، فَفِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] . الثَّانِي: قِيلَ عَلَى أُصُولِ الْمُصَوِّبَةِ: إنَّا نَقْطَعُ بِالْأَحْكَامِ، وَإِنَّ الْمُخَطِّئَةَ تَظُنُّهَا ظَنًّا. قَالَ ابْنُ الْمُنَيَّرِ: وَهُوَ عِنْدِي وَهْمٌ عَلَى الْقَوْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُصَوِّبَةَ تَقُولُ: لَا يَكْفِيهِ أَيُّ ظَنٍّ كَانَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِهَادٍ وَبَذْلِ وَسْعٍ. فِي تَصْحِيحِ الْمُقْتَضَى وَتَحْقِيقِ الشَّرْطِ وَرَفْعِ الْمُعَارَضَاتِ، بِحَيْثُ لَوْ دَخَلَ بِذَلِكَ لَكَانَ مُخْطِئًا آثِمًا. الثَّالِثُ: قِيلَ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ: لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَ فَمَا قَالَهُ حَقٌّ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَقَدْ نَقَضَ قَوْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ كُلُّ مُجْتَهِد مُصِيبًا، وَلَك فِي حَلِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ طُرُقٌ: إحْدَاهَا - أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ وَالْخِلَافُ فِي " أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ " إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ. أَمَّا الْمَسَائِلُ الْأُصُولِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ قَطْعًا. الثَّانِيَةُ - يَلْتَزِمُ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا وَلَكِنْ لَمَّا قُلْت: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا. وَقَوْلُك أَنَّهُ مُصِيبٌ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ خَصْمُهُ أَيْضًا مُصِيبٌ. بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُصَوِّبِ بِحُكْمِ اللَّهِ فِي حَقِّ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، غَيْرَ أَنَّهُ فِي حَقِّ خَصْمِهِ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute