وَلِذَلِكَ رَاعَى مَالِكٌ الْخِلَافَ، قَالَ: وَتَوَهَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُرَاعِي صُورَةَ الْخِلَافِ وَهُوَ جَهْلٌ أَوْ عَدَمُ إنْصَافٍ. وَكَيْفَ هَذَا وَهُوَ لَمْ يُرَاعِ كُلَّ خِلَافٍ وَإِنَّمَا رَاعَى خِلَافًا لِشِدَّةِ قُوَّتِهِ. قُلْت: وَقَدْ يُرَاعِي الشَّافِعِيُّ الْخِلَافَ الْمُشَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا قَرَّرَ الْقَصْرَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ قَالَ: فَأَمَّا أَنَا فَأُحِبُّ أَنْ لَا أَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا عَلَى نَفْسِي. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَهُوَ كَقَوْلِهِ: إذَا مَرِضَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا وَالنَّاسُ قِيَامٌ خَلْفَهُ. ولَا أُفَضِّلُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ. وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ. عَلَى أَنَّ الْإِبْيَارِيَّ اسْتَشْكَلَ اسْتِحْبَابَ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ إذَا اخْتَلَفَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّرْكَ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّوَابِ، وَالْفِعْلُ جَائِزٌ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. نَعَمْ، الْوَرَعُ يَلِيقُ بِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَيْنَ الْخِلَافِ لَا يَنْتَصِبُ شُبْهَةً وَلَا يُرَاعَى بَلْ النَّظَرُ إلَى الْمَأْخَذِ وَقُوَّتِهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْبَحْرِ ": لَوْ كَانَ الْخِلَافُ بِنَفْسِهِ يَنْتَصِبُ شُبْهَةً لَاسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ، يَعْنِي مَسْأَلَةَ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْحَنَفِيِّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ وَشَهَادَتِهِ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي الدَّلَائِلِ. .
الثَّانِي: لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ مُجْتَهِدَيْنِ فَخَاطَبَهَا الزَّوْجُ بِلَفْظَةٍ نَوَى بِهَا الْكِنَايَةَ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا نِيَّةَ. وَتَرَى الْمَرْأَةُ أَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِيهِ، فَلِلزَّوْجِ طَلَبُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، عَمَلًا مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى اجْتِهَادِهِ، وَطَرِيقُ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا أَنْ يُرَاجِعَا مُجْتَهِدًا آخَرَ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، أَمْ كُلٌّ مُصِيبٌ. فَإِنْ كَانَا مُقَلِّدَيْنِ قَلَّدَ مَنْ شَاءَ، فَإِنْ اخْتَلَفَا يُخَيَّرُ إنْ اسْتَوَيَا، وَإِلَّا فَيُقَلِّدُ الْأَعْلَمَ وَالْأَوْرَعَ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ عَمِلَ بِمَا قُلْنَا فِي الْمُجْتَهِدِينَ. هَكَذَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ " وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْقَاضِي فَذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " أَنَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُصِيبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute