فِي الْحَاكِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ فِرَاقِهِ إيَّاهَا نَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ، لِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَمْرِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ. وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْرِيحُهَا وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ ثُمَّ قَالَ: وَأَبْدَى تَرَدُّدًا فِيمَا إذَا فَعَلَ الْمُقَلِّدُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مُقَلَّدِهِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ كَذَلِكَ لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُقَلِّدِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَالْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا. هَذَا فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَلَوْ تَغَيَّرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَفْتَى مُقَلِّدُهُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثًا وَنَكَحَهَا الْمُقَلِّدُ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، قَالَ فِي الْمَحْصُولِ " وَالْإِحْكَامِ " وَتَبِعَهُ الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ ": الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْرِيحُهَا، كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ، بِخِلَافِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ مَتَى اتَّصَلَ بِالْحُكْمِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ اسْتَقَرَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ النَّقْضُ عِنْدَ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ ": لَوْ نَكَحَ رَجُلٌ نِكَاحًا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ اسْتَفْتَى فَأَفْتَاهُ بِالْإِفْسَادِ، فَهَلْ تَبِينُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ لِمُجَرَّدِ الْفَتْوَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَالثَّانِي: لَا حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي، قُلْت: وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ " فِي بَابِ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْيَمِينِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ". قَالَ: وَذَكَرَ وَجْهًا ثَالِثًا مُفَصَّلًا فَقَالَ: إنْ صَحَّحَ النِّكَاحُ قَاضٍ فَالْفَتْوَى لَا تَرْفَعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ تَصْحِيحُهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ ارْتَفَعَ بِالْفَتْوَى. وَحَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ عَدَدِ الشُّهُودِ، قَالَ: وَهَذَا إذَا اعْتَمَدَ فِي الْعَقْدِ الْفَتْوَى، فَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ مُتَوَلِّيَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ إلَّا بِحُكْمِهِ. وَخَصَّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُونَا مُجْتَهِدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ مُجْتَهِدَيْنِ وَاخْتَلَفَا فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَجَزَمَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ بِأَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا أَفْتَاهُ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُ الْمُسْتَفْتَى بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ إذَا كَانَ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute