للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْعَامِّيَّ إنَّمَا يَعْمَلُ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ، وَقَدْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُ عَنْ قَوْلِهِ. وَلَوْ قَالَ مُجْتَهِدٌ لِلْمُقَلِّدِ - وَالصُّورَةُ هَذِهِ -: أَخْطَأَ بِهِ مَنْ قَلَّدْتَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَلَّدَهُ أَعْلَمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مُقَلِّدِهِ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لَهُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلْ الْوَجْهُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الثَّانِي.

الرَّابِعُ: حَيْثُ كَانَتْ حُجَّةُ الْحُكْمِ قَطْعِيَّةً فَالْمُخْتَارُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ إذَا وَقَعَ بِخِلَافِهِ يُنْتَقَضُ، بِخِلَافِ الظَّنِّيَّةِ. وَقِيلَ: فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ عَلَى الْحَاكِمِ دَلِيلًا قَاطِعًا، وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ قَالَ: لَا يُنْقَضُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ وَإِنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ لِدَلِيلٍ أَوْ أَمَارَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَمَارَةٌ تُسَاوِي الْأُولَى. وَكَذَا مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْ الْأُولَى، لَكِنْ لَا يَنْتَهِي إلَى ظُهُورِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَارَنَ لَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ، لِأَنَّ الرُّجْحَانَ حَاصِلٌ حَالَ الْحُكْمِ. أَمَّا لَوْ ظَهَرَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ أَوْ قِيَاسٌ جَلِيٌّ بِخِلَافِهِ نُقِضَ هُوَ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَلَمْ يَنْقُضْهُ الظَّنُّ وَإِنَّمَا نُقِضَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى تَقْدِيمِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الِاجْتِهَادِ، فَهُوَ آمِرٌ لَوْ قَارَنَ الْعِلْمَ بِهِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ قَطْعًا، فَكَذَلِكَ نُقِضَ بِهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ " مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّصِّ الَّذِي يُنْتَقَضُ بِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي إذَا خَالَفَهُ هُوَ الظَّاهِرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>