للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَمُمَارَسَةٍ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْعَامِّيِّ.

إذَا عَلِمْت هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْسِيمٍ يَجْمَعُ أَفْرَادَ الْمَسْأَلَةِ، وَيَضْبِطُ شُعَبَهَا، فَنَقُولُ: الْعُلُومُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَشْتَرِك فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، وَيُعْلَمُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَالْمُتَوَاتِرِ، فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَحَدٍ، كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَتَعْيِينِ الصَّلَاةِ، وَتَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ، وَالزِّنَى، وَاللِّوَاطِ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُقُّ عَلَى الْعَامِّيِّ مَعْرِفَتُهُ، وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ أَعْمَالِهِ، وَكَذَا فِي أَهْلِيَّةِ الْمُفْتِي. وَنَوْعٌ مُخْتَصٌّ مَعْرِفَتُهُ بِالْخَاصَّةِ، وَالنَّاسُ فِيهِ ثَلَاثَةُ ضُرُوبٍ: مُجْتَهِدٌ، وَعَامِّيٌّ، وَعَالِمٌ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ. أَحَدُهَا: الْعَامِّيُّ الصِّرْفُ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِفْتَاءُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ جَمِيعِهَا، وَلَا يَنْفَعُهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعُلُومِ لَا تُؤَدِّي إلَى اجْتِهَادٍ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا تَقْلِيدُ عُلَمَائِهَا، وَأَنَّهُمْ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فِي الْقِبْلَةِ، نَقَلَ لَك مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا بِغَيْرِهِ بِمَعْنًى مَا يَدِينُ بِهِ. انْتَهَى. وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، كَالتَّقْلِيدِ فِي الْأُصُولِ، وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ عَلَى طَرِيقِ الْحُكْمِ وَعِلَّتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْعَالِمِ، إلَّا لِتَنْبِيهِهِ عَلَى أُصُولِهَا، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ الْجَعْفَرِ بْنِ مُبَشِّرٍ، وَابْنِ حَرْبٍ مِنْهُمْ عَنْ الْجُبَّائِيُّ: يَجُوزُ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ دُونَ مَا طَرِيقُهُ الْقَطْعُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِثْلَ الْعَقْلِيَّاتِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُ الْأُسْتَاذِ: يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ عِلْمِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ يُدْرِكُهَا الْقَطْعُ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ فِي ظَنِّيَّاتِهِ إلَى الْقَطْعِيَّاتِ، الْفُرُوعُ بِالْأُصُولِ. وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ: مَنْ صَارَ لَهُ التَّقْلِيدُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>