وَعَلَى هَذَا فَيَنْحَصِرُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ. وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد عَلَى خِلَافٍ فِي دَاوُد حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ ذَوُو الْأَتْبَاعِ. وَلِأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ جَرِيرٍ أَتْبَاعٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا. وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى [أَنَّ] الصَّحَابَةَ يُقَلَّدُونَ لِأَنَّهُمْ قَدْ نَالُوا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ، وَهُمْ بِالصُّحْبَةِ يَزْدَادُونَ رِفْعَةً. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إنْ عُلِمَ دَلِيلُهُ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ " إذَا صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَذْهَبٌ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْضَحَ مِنْ دَلِيلِهِ. وَقَدْ قَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ إنَّ تَحَقُّقَ ثُبُوتِ مَذْهَبٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ تَقْلِيدُهُ وِفَاقًا، وَإِلَّا فَلَا، [لَا] لِكَوْنِهِ لَا يُقَلَّدُ، بَلْ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقَّ الثُّبُوتِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ فِي الْمَذَاهِبِ فَمَنْ مَنَعَهُ قَالَ: مَذَاهِبُ الصَّحَابَةِ لَمْ تَكْثُرْ فُرُوعُهَا حَتَّى يُمْكِنَ الْمُكَلَّفُ الِاكْتِفَاءَ بِهَا فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إلَى الِانْتِقَالِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَمَذَاهِبُ الْمُتَأَخِّرِينَ ضُبِطَتْ، فَيَكْفِي الْمَذْهَبُ الْوَاحِدُ الْمُكَلَّفَ طُولَ عُمُرِهِ، فَيَكْمُلُ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ مَنْعُ تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ إلْكِيَا، بَعْدَ أَنَّ قَرَّرَ مَنْعَ الِانْتِقَالِ: الْوَاحِدُ مِنَّا لَا يَأْخُذُ بِمَذْهَبِ الصَّحَابَةِ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا، بَلْ يَأْخُذُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأُصُولَ الَّتِي وَضَعَهَا أَبُو بَكْرٍ لَا تَفِي بِمَجَامِعِ الْمَسَائِلِ. وَأَمَّا الْأُصُولُ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَهِيَ وَافِيَةٌ بِهَا. فَلَوْ قُلْنَا بِتَقْلِيدِ الصِّدِّيقِ فِي حُكْمٍ لَزِمَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ فِي حُكْمٍ آخَرَ، وَقَدْ لَا يَجِدُهُ. مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالتَّقْلِيدِ أَوْجَبُوا التَّقْلِيدَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَمُسْتَنَدُهُمْ فِيهِ أَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute