مِنْ غَيْرِهِمْ تَقْلِيدًا فَيَتَعَيَّنُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَطْنَبَ فِي وَصْفِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، وَهَذَا لَا يَخْرُجُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَكَأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ يَدَّعِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْلِيدٍ فَلْيُقَلَّدْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَالتَّقْلِيدُ إنَّمَا اُبْتُدِئَ بِهِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا يُقَلِّدُ عَالِمًا بِعَيْنِهِ لَا يُخَالِفُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنَيَّرِ: وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْمَذَاهِبِ فِي تَفْضِيلِ أَئِمَّتِهِمْ. وَأَحَقُّ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَتْ أُمُّ الْكَمَلَةِ عَنْ بَنِيهَا: ثَكِلْتُهُمْ إنْ كُنْت أَعْلَمُ أَيَّهُمْ أَفْضَلَ كَالْحَلْقَةِ الْمُفْرَغَةِ لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا. فَمَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا تَجَرَّدَ النَّظَرُ إلَى خَصَائِصِهِ إلَّا وَيَفْنَى الزَّمَانُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِمْ فَضْلَةٌ لِتَفْضِيلٍ عَلَى غَيْرِهِ.
وَهَذَا سَبَبُ هُجُومِ الْمُفَضَّلِينَ عَلَى التَّعْيِينِ لِأَجْلِ غَلَبَةِ الْعَادَةِ، فَلَا يَكَادُ يَسَعُ ذِهْنُ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لِتَفْضِيلِ غَيْرِ مُقَلِّدِهِ إلَى ضِيقِ الْأَذْهَانِ عَنْ اسْتِيعَابِ خَصَائِصِ الْمُفَضَّلِينَ جَاءَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: ٤٨] يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إذَا جُرِّدَ النَّظَرُ إلَيْهَا قَالَ النَّاظِرُ حِينَئِذٍ: هَذِهِ أَكْبَرُ الْآيَاتِ، وَإِلَّا فَمَا يُتَصَوَّرُ فِي آيَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَكْبَرَ مِنْ الْأُخْرَى بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، لِتَنَاقُضِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَالْمَفْضُولِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ انْخَرَقَتْ بِهِمْ الْعَادَةُ، عَلَى مَعْنَى الْكَرَامَةِ، عِنَايَةً مِنْ اللَّهِ بِهِمْ، فَإِذَا قِيسَ أَحْوَالُهُمْ بِأَحْوَالِ أَقْرَانِهِمْ كَانَتْ خَارِقَةً لِعَوَائِدِ أَشْكَالِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ مَنْ قَلَّدَ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ ارْتَفَعَ قَلِيلًا إلَى دَرَجَةِ الْفَهْمِ وَالِاسْتِبْصَارِ، فَإِذَا رَأَى حَدِيثًا مُحْتَجًّا بِهِ يُخَالِفُ رَأْيَ إمَامِهِ وَقَالَ بِهِ قَوْمٌ، فَهَلْ لَهُ الِاجْتِهَادُ؟ وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute