ذَلِكَ أَطْلَقَ إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِالْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، فَقَدْ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ قَوْلِي بِخِلَافِ قَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَخُذُوا بِهِ، وَدَعُوا قَوْلِي. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: قَدْ اعْتَمَدَ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى هَذَا، وَهُوَ غَلَطٌ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ، وَالْعِلْمُ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِقْرَاءِ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى يُحْسِنَ أَنْ يُقَالَ: لَا مُعَارِضَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، أَمَّا اسْتِقْرَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَرَافِيُّ تَحْجِيرٌ، وَمَا يُرِيدُ بِ " انْتِفَاءِ " الْمُعَارِضِ إنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَبَاطِلٌ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُصَوِّبَةِ فَبَاطِلٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ " أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ " فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ إذَا كَانَ لَهُ الْحُكْمُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ دَلِيلٌ، ثُمَّ يَقُولُ: " إذَا صَحَّ حَدِيثٌ أَقْوَى مِمَّا عِنْدِي، فَذَلِكَ مَذْهَبِي، فَخُذُوا بِهِ، وَاتْرُكُوا قَوْلِي " فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ؟ ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدْ عَمِلَ بِهَذَا جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، كَالْبُوَيْطِيِّ وَالدَّارَكِيِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْهَيِّنِ، فَلَيْسَ كُلُّ فَقِيهِ يُسَوِّغُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْعَمَلِ بِمَا يَرَاهُ حُجَّةً مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ عَمِلَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْجَارُودِ بِحَدِيثٍ تَرَكَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَجَابَ عَنْهُ، وَهُوَ حَدِيثُ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، وَعَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُ سُنَّةً لِلرَّسُولِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُودِعْهَا الشَّافِعِيُّ كِتَابَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ: إنْ كَانَ فِيهِ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا، أَوْ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، أَوْ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، كَانَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْعَمَلِ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ تَكْتَمِلُ آلَتُهُ، وَوَجَدَ فِي قَلْبِهِ حَزَازَةً مِنْ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَجِدْ لَهُ مُعَارِضًا بَعْدَ الْبَحْثِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ إمَامٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَهُ التَّمَذْهُبُ بِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ قَوْلِ إمَامِهِ، وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute