للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا يَكُونُ هَذَا لِمَنْ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ صِحَّتَهُ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُطَالَعَةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهَا، وَنَحْوِهَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ الْآخِذِينَ عَنْهُ، وَهَذَا شَرْطٌ صَعْبٌ، قَلَّ مَنْ يَتَّصِفُ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ: إنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ لِلِاسْتِنْبَاطِ، لِمَعْرِفَتِهِ بِالْقَوَاعِدِ، وَكَيْفِيَّةِ اسْتِثْمَارِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالْمَنْقُولِ، بِحَيْثُ عَرَفَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ اخْتِلَافٍ، وَجَمَعَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا، وَالْأَدِلَّةَ، وَرُجْحَانَ الْعَمَلِ بِبَعْضِهَا، فَهَذَا هُوَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْجُزْئِيِّ، وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا قَامَ عِنْدَهُ عَلَى الدَّلِيلِ، وَلَا يُسَوَّغُ لَهُ التَّقْلِيدُ. وَإِذَا تَأَمَّلَ الْبَاحِثُ عَنْ حَالِ الْأَئِمَّةِ الْمَنْقُولِ أَقَاوِيلُهُمْ، وَعُدُّوا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ أَنَّهُمْ إنَّمَا عُدُّوا لِذَلِكَ لِاسْتِجْمَاعِهِمْ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْكُلِّيَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَسَائِلِ، وَأَحَاطُوا بِأَدِلَّةِ جُمْلَةِ غَالِبٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِ جَمْعٍ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ عَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّقُ الْقَوْلَ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ، كَذَا، وَإِنْ صَحَّ قُلْت بِهِ، ثُمَّ يَجِدُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ قَدْ صَحَّتْ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قَدْ صَحَّ، أَوْ يُعَلِّلُ رَدَّ الْحَدِيثِ بِعِلَّةٍ ظَهَرَتْ لَهُ يَظْهَرُ انْتِفَاؤُهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْأَئِمَّةِ كَثِيرٌ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ كَثُرَ أَخْذُهُ بِالرَّأْيِ وَتَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَوْصُوفُ يُقَلِّدُ الْإِمَامَ فِي مَسَائِلَ يُسَوَّغُ لَهُ التَّقْلِيدُ فِيهَا، وَقَعَ لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ هَذِهِ الْأَهْلِيَّةُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الدَّلِيلِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ، بَلْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ وَالتَّرْجِيحِ، وَفِيهِ قُصُورٌ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلَكِنْ جَمَعَ أَدِلَّةَ تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، وَعَرَفَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، لِهَذَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ إمَامِهِ، وَلَا بِهَذَا الدَّلِيلِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، وَيَنْبَغِي لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>