الْحَدِيثُ فِي جَانِبِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ اطِّلَاعَ إمَامِهِ عَلَيْهِ وَتَرَكَهُ لِعِلَّةٍ فِيهِ، أَوْ لِوُجُودِ أَقْوَى مِنْهُ. أَمَّا إنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَسَائِلِ، وَلَمْ يَجْمَعْ أَدِلَّةَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، بَلْ رَأَى فِيهَا حَدِيثًا يَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ فَهَذَا لَهُ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ حُجَّةَ إمَامِهِ، كَمُخَالَفَةِ مَالِكٍ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ رُجْحَانَ مَذْهَبِ إمَامِهِ بِطَرِيقِهِ فَلْيَعْمَلْ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْلَمَ إجْمَالًا، أَنَّ لِإِمَامِهِ أَوْ لِمَنْ خَالَفَ الْعَمَلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَدِلَّةً، يَجُوزُ مَعَهَا الْمُخَالَفَةُ أَوْ يَقْوَى، فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، بَلْ لَا يَتَرَجَّحُ مُخَالَفَةُ إمَامِهِ، وَلَهُ تَقْلِيدُ الْقَائِلِ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَعْلَمَ الْحُجَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ إجْمَالًا وَلَا تَفْصِيلًا، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةٌ تَسُوغُ مَعَهَا الْمُخَالَفَةُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْمَعْ أَدِلَّةَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا، فَالْأَوْلَى بِهَذَا تَتَبُّعُ الْمَآخِذِ، فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ مِنْ أَدِلَّةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَالْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى تَقْلِيدًا لِمَنْ عَمِلَ بِهِ، وَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى تَقْلِيدِ إمَامِهِ. وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا اُسْتُقْرِئَ مِنْ أُصُولِ الصَّحَابَةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى مَنْ اسْتَفْتَاهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ، وَسَأَلَ غَيْرَهُمْ عَنْ أُخْرَى، أُمِرَ بِالْعَوْدِ إلَى مَنْ قَلَّدَ قَبْلَ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ الْبَارِعُ فِي الْمَذْهَبِ وَمَآخِذِهِ، هَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِالْوُجُوهِ الْمَرْجُوحَةِ إذَا قَوِيَ مُدْرِكُهَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. (مِنْهَا) التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَائِلُ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَفْتَى بِهِ، فَيَجُوزُ. أَوْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ، وَالِاحْتِمَالِ، وَتَبَيَّنَ الْمَأْخَذُ فَلَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute