الدَّوَاعِي وَالْإِرَادَاتِ، وَالْمُكْرَهُ مَقْصُورُ الدَّوَاعِي وَالْإِرَادَةِ عَلَى فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَا يَخْتَارُ غَيْرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ صَارَتْ هَذِهِ حَالُهُ؟ قِيلَ: لِمَا يَخَافُهُ مِنْ عِظَمِ الضَّرَرِ فَهُوَ يَدْفَعُ أَعْظَمَ الضَّرَرَيْنِ بِأَدْوَنِهِمَا وَدَوَاعِيهِ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَهَاهُنَا أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: هَذَا الْإِكْرَاهُ الَّذِي أَسْقَطَ الشَّارِعُ حُكْمَهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ حَقِيقَتِهِ لِيَتَحَقَّقَ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مَا لَا يُزِيلُ حَقِيقَتَهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، أَوْ مَا يُزِيلُهَا فَلَا يَسْقُطُ الْحُكْمُ، إذْ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَهَذَا كَمَنْ قِيلَ لَهُ: طَلِّقْ زَوْجَتَك، فَقَالَ: طَلَّقْت زَوْجَاتِي كُلَّهُنَّ، فَيَقَعُ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لَا مُكْرَهٌ. وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مَا يَتَرَدَّدُ الذِّهْنُ فِي أَنَّهُ مُزِيلٌ، لِكَوْنِهِ إكْرَاهًا أَوْ غَيْرَ مُزِيلٍ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَسْقُطُ أَثَرُ التَّصَرُّفِ بِهِ أَمْ لَا يَسْقُطُ؟ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلِّقْ إحْدَى زَوْجَتَيْك، وَحُمِلَ عَلَى تَعَيُّنِ إحْدَاهُمَا لَا عَلَى إبْهَامِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ الْمَحْمُولَ عَلَى الْإِبْهَامِ مَحْمُولٌ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي نَفْسِهِ لَا عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ.
فَإِذَا قِيلَ لَهُ: طَلِّقْ إمَّا هَذِهِ وَإِمَّا هَذِهِ، فَقَالَ: طَلَّقْت هَذِهِ، فَهَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ اخْتِيَارٌ.
الثَّانِي: أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْقَلْبِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ الْإِكْرَاهُ عَلَى عِلْمٍ بِشَيْءٍ أَوْ جَهْلٍ بِهِ أَوْ حُبٍّ أَوْ بُغْضٍ أَوْ عَزْمٍ عَلَى شَيْءٍ.
الثَّالِثُ: يُشْتَرَطُ لِكَوْنِ الْإِكْرَاهِ مَرْفُوعَ الْحُكْمِ شُرُوطٌ:
أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَعَّدُ بِهِ فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ أَشَقَّ مِنْ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يَشْهَدُ لَهُ الشَّرْعُ بِالِاعْتِبَارِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْقِصَاصِ، وَلَا يَرْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ الْمُكْرَهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute