قَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ، وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: لَا نَعْلَمُهُ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ الْأَمْرِ، وَالْجَهْلُ بِالشَّرْطِ مُحَقَّقٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْجَهْلَ بِالشُّرُوطِ، نَعَمْ. أَجْمَعَ مَنْ قَبْلَنَا عَلَى إطْلَاقِ وُرُودِ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ بَقَاءِ أَكْثَرِهِمْ، وَظُهُورِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ.
قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو هَاشِمٍ لَا دَافِعَ لَهُ إلَّا أَصْلٌ لِأَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ فِي النَّسْخِ. وَمَذْهَبُهُ فِيهِ: أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ قَطْعًا، ثُمَّ رُفِعَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالنَّسْخِ.
فَقَالَ: ثَانِيًا عَلَيْهِ إذَا تَوَجَّهَ أَمْرٌ عَلَى الْمُخَاطَبِ فَقَطْ تَنَجَّزَ الْأَمْرُ، ثُمَّ إذَا زَالَ إمْكَانُهُ فَلَا رَيْبَ فِي الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ فِي الشَّرْطِ الْقَضَاءُ لَا فِي شَرْطِ أَصْلِ الْأَمْرِ.
وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ هُوَ اللَّفْظَ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ، الطَّلَبُ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي شَرْطَهُ الْإِمْكَانَ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ كَوْنَ الْإِمْكَانِ شَرْطًا، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ إلَّا بِهِ، وَأَبُو هَاشِمٍ لَا يُنْكِرُ وُجُوبَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، وَنِيَّةُ الْوُجُودِ وَالتَّرَدُّدِ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ لَا يُنْكَرُ، فَالْخِلَافُ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ. اهـ.
وَأَمَّا الْقَاضِي فَفَرْضُ الْخِلَافِ فِي الصِّحَّةِ فَقَالَ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إذَا اتَّصَلَ بِالْمُكَلَّفِ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ الِامْتِثَالِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَعْتَقِدُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى عَلَى صِفَةِ التَّكْلِيفِ، فَنَسْتَيْقِنُ الْحَالَ تَوَجُّهَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ بَقِيَ دَامَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ مَاتَ انْقَطَعَ عَنْهُ.
وَقَالَتْ الْقَدَرِيَّةُ: لَا يَصِحُّ عِلْمُهُ بِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى الِامْتِثَالِ، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهُ مَعَ تَرْكِهِ، فَقَالُوا: لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ كَوْنُهُ مَأْمُورًا قَطْعًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا نَقُولُ: يَقْطَعُ بِذَلِكَ وَيُؤَوَّلُ تَوَقُّعُهُ فِي اسْتِدَامَةِ الْوُجُوبِ إلَى تَوَقُّعِ الِاحْتِرَامِ وَالْبَقَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute