للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ": الْوَاحِدُ مِنَّا يَعْلَمُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا عَلَى الْحَقِيقَةِ هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ جَائِزٌ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ، وَأَبُو هَاشِمٍ بَنَاهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، فَإِنْ سَلِمَ لَهُ، فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ وَإِنْ أُبْطِلَ بَطَلَ مَذْهَبُهُ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي بِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا يَجِبُ عَلَيْهِ الشُّرُوعُ فِي الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَالتَّقَرُّبِ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهَا، وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ.

وَشُبْهَةُ أَبِي هَاشِمٍ: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْأَمْرِ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَنَا فَلَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ عَالِمًا اهـ.

وَأَمَّا أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ، فَقَالَ: الْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكْتَسَبِ.

عِلْمُ الْمُكْتَسِبِ بِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ كَوْنُ الْمَقْدُورِ مِمَّا يَصِحُّ الْعِلْمُ بِهِ.

قَالَ: وَاخْتَلَفُوا مَتَى يَصِحُّ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْفِعْلِ؟ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا اتَّصَلَ الْخِطَابُ بِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الِامْتِثَالِ عَلِمَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، فَيُقْطَعُ بِهِ لَكِنْ يَفْتَقِرُ كَوْنُهُ مَأْمُورًا إلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ الْأَوْقَاتِ بِشَرْطِ وَفَاءِ شَرَائِطِ التَّكْلِيفِ.

وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ تَوَجَّهَ الْخَطَأُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ الْإِمْكَانِ حَتَّى لَوْ اشْتَغَلَ بِالِامْتِثَالِ فِي الْحَالِ لَمْ يَعْرِفْ الْوُجُوبَ أَيْضًا مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَتَصَوَّرُ فِيهِ الِامْتِثَالَ، وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِبَقَاءِ الْإِمْكَانِ لَهُ إلَى انْقِرَاضِ زَمَانٍ يَمْتَنِعُ الْفِعْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالْإِمْكَانُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>