للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخِلَافُ إلَى تَحْقِيقِ الْأَمْرِ بِالشَّرْطِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَصْحَابُنَا جَوَّزُوهُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ مَنَعُوهُ، وَقَالُوا: يَسْتَحِيلُ أَنْ يَرِدَ الْأَمْرُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمُكَلَّفِ.

وَزَعَمُوا: أَنَّ الشَّرْطَ فِي أَمْرِهِ تَعَالَى مُحَالٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَقَعُ حَيْثُ الشَّكُّ، وَالْبَارِئُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا شَرْطَ. فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ لَا يَقُولُ: إنْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَلَعَتْ دَخَلْت الدَّارَ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ مِنْ الشَّاكِّ كَالْوَاحِدِ مِنَّا، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ حَصَلَ الْعِلْمُ لِلْوَاحِدِ مِنَّا بِإِخْبَارِ نَبِيٍّ امْتَنَعَ الْأَمْرُ بِالشَّرْطِ فِيهِ أَيْضًا، وَلَمْ يَقْصُرُوا خِلَافَهُمْ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَهُ بَلْ عَدَّوْهُ إلَى مَا عَلِمَ وُجُودَهُ أَيْضًا، فَقَالُوا: إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ بِهِ أَمْرًا بِهِ، بَلْ هُوَ جَارٍ: مَجْرَى: صُمْ غَدًا إنْ صَعِدْت السَّمَاءَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَمْرِ فِي شَيْءٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ بَعْضِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ مَشْرُوطًا بِهِ بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ: صَلِّ إنْ كَانَتْ الشَّمْسُ مَخْلُوقَةً، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَشْرُوطِ فِي شَيْءٍ، لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى تَرَدُّدٍ فِي الْحُصُولِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّرَدُّدَ مُحَالٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْلِيقٌ عَلَى الشَّرْطِ أَلْبَتَّةَ لَا إنْ عَلِمَ وُقُوعَهُ، وَلَا إنْ عَلِمَ عَدَمَ وُقُوعِهِ.

وَأَلْزَمَهُمْ الْقَاضِي أَنْ لَا يَتَقَيَّدَ وَعْدُهُ وَوَعِيدُهُ أَيْضًا كَمَا لَا يَتَقَيَّدَ أَمْرُهُ مَعَ أَنَّ مُعْظَمَ وَعْدِ الْقُرْآنِ وَوَعِيدِهِ مُقَيَّدٌ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} [الكهف: ١٨] قَالَ: وَلَا وَجْهَ لِلتَّرَدُّدِ فِي الشَّرْطِ مَعَ عِلْمِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ.

وَلَهُ فَائِدَةٌ:

وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ ابْتِلَاءَ الْمُكَلَّفِ وَامْتِحَانَهُ فِي تَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى الِامْتِثَالِ وَالْعَزْمِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْمَعْدُومَ وَالْعَاجِزَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْدِرَ فِي حَالِ الْحَاجَةِ إلَى الْقُدْرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>