وَأَجَابَ أَبُو الْحُسَيْنِ بِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ كَلَّفَهُ بِشَرْطٍ أَنْ يَقْدِرُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ حُكْمَنَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَلَّفَهُ الْفِعْلَ مَشْرُوطًا بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَقْدِرُ، فَالشَّرْطُ دَاخِلٌ عَلَى حُكْمِنَا لَا عَلَى تَكْلِيفِ اللَّهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُخَالِفُ هَذَا رَجَعَ النِّزَاعُ إلَى اللَّفْظِ. وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: إنَّمَا حَمَلَ الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى ذَلِكَ أَصْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ، فَأَمَّا مَا تَحَقَّقَ ثُبُوتًا أَوْ نَفْيًا فَلَا يَصْلُحُ لِلشَّرْطِيَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ يُلَازِمُ الْإِرَادَةَ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِلْفِعْلِ الَّذِي عَلَّقَ طَلَبَهُ عَلَى الشَّرْطِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقُولُ بِاقْتِرَانِ الْأَمْرِ بِالْإِرَادَةِ، فَيَصِحُّ الْأَمْرُ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ. هَذَا تَحْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَتَرْجَمَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الْبُرْهَانِ " وَهُوَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مِنْ جِنْسِ الْمُمْكِنِ فَيَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَ الْمُخَاطَبُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُ الْفِعْلَ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، وَلَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ.
قَالَ: وَاعْتَقَدَ الْإِمَامُ أَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَ لَهُ كَوْنَ الْإِمْكَانِ شَرْطًا، فَقَالَ: يَلْزَمُ إذَا بَانَ أَنْ لَا إمْكَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَكْلِيفٌ، وَلَيْسَ كَمَا اعْتَقَدَهُ، لِأَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرْجَمَتَهَا بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِشَرْطِهِ يُسَمَّى أَمْرًا أَمْ لَا؟ وَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي بَحْثِ الْأَوَامِرِ دُونَ التَّكَالِيفِ.
تَنْبِيهَاتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute