الْإِيمَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] الْآيَاتِ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ قَوْمَ شُعَيْبٍ بِالْكُفْرِ وَنَقْصِ الْمِكْيَالِ، وَقَوْمَ لُوطٍ بِالْكُفْرِ وَإِتْيَانِ الذُّكُورِ، وَذَمَّ عَادًا قَوْمَ هُودٍ بِالْكُفْرِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: ١٣٠] وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا: تَحْرِيمُ ثَمَنِ الْخَمْرِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي " الْأُمِّ " فِي بَابِ حَجِّ الصَّبِيِّ يَبْلُغُ، وَالْمَمْلُوكِ يُعْتَقُ، وَالذِّمِّيِّ يُسْلِمُ، فِيمَا إذَا أَهَلَّ كَافِرٌ بِحَجٍّ، ثُمَّ جَامَعَ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ عَرَفَةَ فَجَدَّدَ إحْرَامًا وَأَرَاقَ دَمًا لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا فِي حَالِ الشِّرْكِ، لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ.
قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا زَعَمْت أَنَّهُ كَانَ فِي إحْرَامِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ، أَفَكَانَ الْفَرْضُ عَنْهُ مَوْضُوعًا؟
قِيلَ: لَا بَلْ كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ وَيُؤَدِّي الْفَرَائِضَ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ، غَيْرَ أَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ [الْمُسْلِمِينَ] اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ أَسْلَمَ ائْتَنَفَ الْفَرَائِضَ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ مَا فَرَّطَ فِيهِ فِي الشِّرْكِ مِنْهَا، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ اسْتَقَامَ. هَذَا لَفْظُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِيَانِ الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي " التَّقْرِيبِ " وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْحَلِيمِيُّ.
وَقَالَ فِي " الْمِنْهَاجِ ": إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ الطَّاعَاتِ مِنْ الْإِيمَانِ.
قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُؤَاخِذُ اللَّهُ أَحَدًا بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute