حَالَةَ الْكُفْرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَرُّبُ، فَجَازَ التَّكَلُّفُ بِهَا دُونَ الْأَوَامِرِ، فَإِنَّ شَرْطَهَا الْعَزِيمَةُ، وَفِعْلُ التَّقْرِيبِ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمُقَرَّبِ إلَيْهِ مُحَالٌ، فَامْتُنِعَ التَّكْلِيفُ بِهَا.
وَحَكَى النَّوَوِيُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي " التَّحْقِيقِ " أَوْجُهًا لِلْأَصْحَابِ، وَسَبَقَ حِكَايَةُ الْأُسْتَاذِ وَابْنِ كَجٍّ الْأَوَّلَيْنِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمَعَالِي عَزِيزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ " بَيَانِ الْبُرْهَانِ " بِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ تَقَعُ عَلَيْهِمْ فِي فِعْلِ الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ، وَيُحَدُّ فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَيُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ فَعَلَهَا فِي كُفْرِهِ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ؟ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " اللُّبَابِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. [تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِالنَّوَاهِي] وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالنَّوَاهِي، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْأَوَامِرِ. قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ " الْأُصُولِ " وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ " تَعْلِيقِهِ " قَالَ: وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَمَنْهِيُّونَ عَنْهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ جَيِّدَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute