للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ الْمُتَأَخِّرُ فِي مُصَنَّفِهِ " الْمُفْرَدِ " فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ إنَّمَا يَكُونُ مَأْمُورًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، لَكِنْ لِلْمُعْتَزِلَةِ أَصْلٌ: وَهُوَ أَنَّ الْحَادِثَ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ حَالَ حُدُوثِهِ كَالْبَاقِي الْمُسْتَمِرِّ الْوُجُودِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ. وَلِلشَّيْخِ أَصْلٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَ تُقَارِنُ الْمَقْدُورَ الْحَادِثَ وَلَا تَسْبِقُهُ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَةَ عَرَضٌ، وَالْعَرَضُ اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ، فَلَوْ تَقَدَّمَتْ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ عَلَى وُجُودِ الْحَادِثِ، لَعُدِمَتْ عِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثِ ضَرُورَةُ اسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا، فَلَا يَكُونُ الْحَادِثُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ.

فَلَزِمَ عَلَى أَصْلِ الشَّيْخِ: أَنَّ الْمَأْمُورَ إنَّمَا يَصِيرُ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ لَا قَبْلَهُ.

وَلَزِمَ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ لَا حَالَةَ حُدُوثِهِ.

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا حَاصِلَ لِمُتَعَلِّقِ حُكْمِ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَ فِي حَالِ قُعُودِهِ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ وَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ مَأْمُورٌ عِنْدَهُ؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِ نَقْلِ صَاحِبِ " الْمَحْصُولِ " وَ " الْإِحْكَامِ "، فَكَأَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الدِّينِ اعْتَبَرَ مَذْهَبَ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ، وَالْآمِدِيَّ اعْتَبَرَ مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَ فِي حَالِ الْقُعُودِ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِالِاتِّفَاقِ، فَحَصَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ نَقْلَيْهِمَا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>