وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ نَسَبَ خِلَافَ الْمُعْتَزِلَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ، وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُوَافِقًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَرَدَّ مَا نَسَبَهُ إلَى الشَّيْخِ، فَقَالَ: قَالَ الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ، وَاخْتَارَهُ وَزَيَّفَ قَوْلَ الشَّيْخِ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَرَادَ الشَّيْخُ بِعَدَمِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ لِنَفْسِ التَّكْلِيفِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ لِنَفْسِهِ بِالشَّيْءِ امْتَنَعَ انْقِطَاعُهُ عَنْهُ. فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ التَّكْلِيفُ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَيْضًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ تَنْجِيزَ التَّكْلِيفِ أَيْ: كَوْنَ الْمُكَلَّفِ مُكَلَّفًا بِالْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِابْتِلَاءِ، لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ فَيَنْتَفِي فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ إمَّا الِامْتِثَالُ أَوْ الِابْتِلَاءُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّ التَّكْلِيفَ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ تَكْلِيفٌ بِالْإِتْيَانِ بِالْكُلِّيِّ الْمَجْمُوعِيِّ، لَا بِإِيجَادِ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ حَالَ الْحُدُوثِ تَكْلِيفًا بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ، لِأَنَّ الْكُلِّيَّ الْمَجْمُوعِيَّ لَمْ يُوجَدْ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا وُجِدَ مِنْ الْفِعْلِ فَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فَيَكُونُ تَعْلِيقُ التَّكْلِيفِ بِالْبَاقِي، بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ.
قُلْنَا: التَّكْلِيفُ بِالذَّاتِ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَبِأَجْزَائِهِ بِالْعَرْضِ، فَمَا لَمْ يَحْدُثْ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّكْلِيفُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُحْدَثَةَ لَا تَتَقَدَّمُ الْمَقْدُورَ، وَعِنْدَهُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَقَدَّمُ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَيُقَارِنُهُ. وَأَلْزَمَهُ الْإِمَامُ كَوْنَ الْمُكَلَّفِ مَأْمُورًا بِالْقِيَامِ غَيْرَ مَقْدُورٍ لَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute