فَقَدْ صَارَ الْمَأْمُورُ بِهِ غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِكَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ لِشَيْخٍ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَقُولَ: إنَّ عَدَمَ تَعَلُّقِهَا بِهِ بِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهِ، لِأَنَّ هَذَا عَكْسُ الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ.
وَقَالَ إِلْكِيَا: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْحَادِثَ حَالَ حُدُوثِهِ هَلْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ؟ فَقَالَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ: مَأْمُورٌ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: مَأْمُورٌ بِهِ قَبْلَ الْحُدُوثِ، وَإِذَا حَدَثَ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ اسْتَدْعَى التَّحْصِيلَ، وَالْحَاصِلُ لَا يَحْصُلُ.
وَأَصْحَابُنَا بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْفِعْلِ، وَأَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا أَمَرَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ الْأَمْرِ الْأَزَلِيِّ بِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: الْحَادِثُ حَالَ حُدُوثِهِ مَأْمُورٌ بِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخِلَافِ قَبْلَ الْحُدُوثِ.
وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ بِأَنَّهُ أَوَّلُ زَمَنِ وُجُودِهِ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ تَكْلِيفًا بِإِتْمَامِهِ وَإِيجَادِهِ بِمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِحَالِ حُدُوثِهِ زَمَنُ وُجُودِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا، بَلْ يَصِحُّ فِي أَوَّلِ زَمَنِ وُجُودِهِ وَإِنْ كُلِّفَ بِإِتْمَامِهِ كَمَا مَرَّ، وَعِنْدَ آخِرِ زَمَنِ وُجُودِهِ يَكُونُ قَدْ وُجِدَ وَانْقَضَى، فَيَصِيرُ مِنْ بَابِ إيجَادِ الْمَوْجُودِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَهَذَا الْمَبْحَثُ يَنْزِعُ إلَى مَسْأَلَةِ الْحَرَكَةِ وَأَنَّهَا تُقْبَلُ أَمْ لَا؟ وَكَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَفْظِيٌّ، لِأَنَّ مَنْ أَجَازَ التَّكْلِيفَ عَلَّقَهُ بِأَوَّلِ زَمَنِ الْحُدُوثِ وَمَنْ مَنَعَهُ عَلَّقَهُ بِآخِرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقَرَافِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ قَوْلَ الْأَشْعَرِيَّةِ: الْأَمْرُ يَتَعَلَّقُ حَالَ الْمُلَابَسَةِ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ حُصُولَ زَمَانِ الْمُلَابَسَةِ شَرْطٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute