تَعَلُّقِ الْأَمْرِ، بَلْ الْأَمْرُ مُتَعَلِّقٌ فِي الْأَزَلِ، فَضْلًا عَمَّا قَبْلَ زَمَنِ الْحُدُوثِ، وَإِنَّمَا الْبَحْثُ هَاهُنَا عَنْ صِفَةِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ الْمُتَقَدِّمِ لِمَا تَعَلَّقَ فِي الْأَزَلِ كَيْفَ تَعَلَّقَ؟ هَلْ تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ زَمَنَ الْمُلَابَسَةِ أَوْ قَبْلَهُ؟ فَالتَّعَلُّقُ سَابِقٌ، وَالطَّلَبُ مُتَحَقِّقٌ، وَالْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَعْمُرَ زَمَانًا بِوُجُودِ الْفِعْلِ بَدَلًا عَنْ عَدَمِهِ، وَهُوَ زَمَنُ الْمُلَابَسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أُمِرَ بِهِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ مُوَسَّعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الزَّمَنَ الَّذِي يَلِي زَمَانَ الْأَمْرِ وُجُودَ الْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ، فَزَمَنُ الْمُلَابَسَةِ ذُكِرَ لِبَيَانِ صِفَةِ الْفِعْلِ، لَا لِأَنَّهُ شَرْطُ التَّعَلُّقِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ نَفْيُ الْعِصْيَانِ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي التَّعَلُّقِ.
قَالَ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ عَدَمُ وُرُودِ الِاسْتِشْكَالِ الْمَشْهُورِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سَلْبِ التَّكَالِيفِ، إذْ لَوْ كَانَ حُصُولُ الْمُلَابَسَةِ شَرْطًا فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عَاصِيًا، لِأَنَّهُ يَقُولُ: الْمُلَابَسَةُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ مَأْمُورًا، وَأَنَا لَا أُلَابِسُ الْفِعْلَ، فَلَا يَكُونُ عَاصِيًا، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْقِيقَ مَا تَقَدَّمَ. اهـ. [حَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ]
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ مِنْ الْأَزَلِ بِالْفِعْلِ زَمَنَ الْمُلَابَسَةِ، وَقِيلَ: زَمَنُ الْمُلَابَسَةِ، وَقِيلَ: زَمَانُ وُرُودِ الصِّيغَةِ تَعَلُّقِ مُطَالَبَةٍ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي وُرُودَ الصِّيغَةِ، فَإِنْ لَابَسَ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ حَالَ الْمُلَابَسَةِ، وَإِنْ أَخَّرَ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ مَضِيقًا تَعَلَّقَ بِالتَّأْخِيرِ التَّأْثِيمُ وَإِنْ كَانَ مُوسَعًا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ زَمَنِ السَّعَةِ إلَّا قَدْرُ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ تُضَيَّقَ، وَجَاءَ التَّأْثِيمُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُوَ إلَّا الْمَضِيقَ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ.
وَأَمَّا الْمَاضِي وَهُوَ تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ بَعْدَ حُدُوثِهِ كَالْحَرَكَةِ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute