للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الْمُتَحَرِّكِ فَمُمْتَنِعٌ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ، وَلَا يُوصَفُ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ إلَّا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يُوصَفُ قَبْلَ وُجُودِهِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَمَطْلُوبٌ، وَأَمَّا قَبْلَ وُجُودِهِ فَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّرْغِيبِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ. وَالْحَاصِلُ لَا يُطْلَبُ.

وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ: إنَّ النَّظَرَ يُضَادُّ الْعِلْمَ بِالْمَنْظُورِ فِيهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ بَحْثٌ عَنْ الْعِلْمِ وَابْتِغَاءٌ لَهُ، وَالْحَاصِلُ لَا يُطْلَبُ، وَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ طَاعَةٌ، وَهَلْ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَالَ وُقُوعِهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ يَنْفُونَهُ. وَأَمَّا تَقَضِّي الْفِعْلِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِمَا سَبَقَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ حَالَ الْإِيقَاعِ وَقَبْلَهُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَهَلْ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا مُتَسَاوِيًا؟ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَعَمْ. فَيَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِهِمَا تَعَلُّقَ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " عَنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَالَ الْوُقُوعِ تَعَلُّقُ إلْزَامٍ، وَأَمَّا قَبْلَهُ تَعَلُّقُ إعْلَامٍ بِأَنَّهُ سَيَصِيرُ فِي زَمَانِ الْحَالِ مَأْمُورًا، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي إلَى بَعْضِ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الْحَقِّ. قَالَ: هُوَ بَاطِلٌ.

وَادَّعَى الْقَرَافِيُّ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ لَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ.

وَقَالَ الْقَاضِي: وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ تَحَقُّقُ الْوُجُوبِ عَلَى الْحُدُوثِ، وَفِي حَالَةِ الْحُدُوثِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي التَّرْغِيبِ وَالِاقْتِضَاءِ وَالدَّلَالَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَمَا أَبْطَلَهُ الْقَاضِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>