فِي " الْمَحْصُولِ ". وَلِأَجْلِهِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي " الْمِنْهَاجِ ": التَّكْلِيفُ يَتَوَجَّهُ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ نَقْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ.
وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَرَأَيَا أَنَّ الْفِعْلَ حَالَ الْإِيقَاعِ لَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِهِ، وَمُدْرَكُهُمْ فِيهِ خِلَافُ مُدْرَكِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَالْمُعْتَزِلَةُ بَنُوهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: أَنَّ الْقُدْرَةَ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ وَانْقِطَاعُ تَعَلُّقِهَا حَالَ وُجُودِهِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَكَادَ يُوَافِقُهُمْ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: مَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لَا يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ يُثْبِتُ قُدْرَةً، وَيَقُولُ: الْحَالُ غَيْرُ مَقْدُورٍ فَلَزِمَ تَقَدُّمُ الْقُدْرَةِ، فَصَرَّحَ مِنْ أَجْلِهَا بِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَانْقِطَاعِهِ مَعَهُ.
وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَإِنَّهُ سَلَّمَ مُقَارَنَةَ الْقُدْرَةِ لِلْمَقْدُورِ، وَوَافَقَ مَعَ هَذَا عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرِ حَالَ الْوُقُوفِ، فَتَوَافَقَا فِي الْأَصْلِ، وَتَخَالَفَا فِي الْفُرُوعِ، ثُمَّ اعْتَمَدَ هُوَ وَإِمَامُهُ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ الِاقْتِضَاءُ وَالطَّلَبُ، وَالْحَاصِلُ لَا يُطْلَبُ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ غَيْرُ مُقْتَضَى حَالِ الْإِيقَاعِ، وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا مَأْمُورٌ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ طَاعَةٌ وَامْتِثَالٌ، وَهَذَا لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافِقَةُ الْأَمْرِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ قَدْ رَأَوْا أَنَّ لَا حَقِيقَةَ لِلْأَمْرِ إلَّا الِاقْتِضَاءُ، وَقَدْ يَطْلُبُ، فَبَطَلَ بِنَفْسِهِ، وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute