كَذَلِكَ، بَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِهِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْفِعْلِ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ وَالْإِلْزَامِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَعْصِيَ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالتَّارِكُ مُبَاشِرٌ لِلتَّرْكِ، وَهُوَ فِعْلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ حَرَامٌ، فَإِثْمُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَرَافِيِّ لَا إشْكَالَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيُّ الْمُتَأَخِّرُ: الْحَقُّ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ لَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
أَمَّا أَوَّلًا: فَإِنَّهُمْ بَنَوْا عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَا حَاصِلَ لِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ رَأْيُ الْأَشْعَرِيِّ قَالَهُ الْإِمَامُ، فَإِنَّ الْقَاعِدَ حَالَ قُعُودِهِ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ عِنْدَ الشَّيْخِ فِي حَالِ الْقُعُودِ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ؟ وَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ مَأْمُورٌ عِنْدَنَا.
وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِكَوْنِ فِعْلِ الْعَبْدِ مَقْدُورًا لَهُ عَلَى أَصْلِ الشَّيْخِ، فَإِنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقُ اللَّهِ، فَلَا يَكُونُ وَاقِعًا بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ، فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَهُ.
وَأَمَّا ثَالِثًا: فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِإِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ فِي الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مُقَارِنُ الْفِعْلِ مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ فَجَمِيعُ الْأَوْصَافِ الْمُقَارِنَةِ لِلْفِعْلِ مُتَشَارِكَةٌ فِي كَوْنِهَا مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ، فَتَمَيَّزَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِكَوْنِهَا قُدْرَةً دُونَ غَيْرِهِ، يَكُونُ تَمَيُّزًا مِنْ غَيْرِ مُمَيَّزٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَأَمَّا رَابِعًا: فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِحَالَةِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
وَأَمَّا خَامِسًا: فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذَا الْأَصْلِ وَكَوْنُ قُدْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute