للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدِ ثَابِتَةً، وَكَوْنُ الْفِعْلِ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ عِنْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ تَقَدَّمَتْ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ عَلَى وُجُودِ الْحَادِثِ لَعُدِمَتْ عِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثِ ضَرُورَةُ اسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا، فَلَا يَكُونُ الْحَادِثُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ، فَلَا طَائِلَ لَهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ فَكَمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ: الْفِعْلُ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ مُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ لِلْفِعْلِ فَكَذَلِكَ جَازَ أَنْ يُقَالَ: الْفِعْلُ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، بَلْ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ لِلْقُدْرَةِ مَدْخَلًا فِي الْفِعْلِ لَجَازَ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً بِالزَّمَانِ عَلَى الْفِعْلِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْعِدَّةِ.

وَالْحَقُّ: أَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ سَابِقٌ عَلَى حُدُوثِهِ، وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْفِعْلِ، وَنَعْنِي بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ صِفَةً خَلَقَهَا اللَّهُ فِي الْعَبْدِ، وَجَعَلَهَا بِحَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ، بَلْ كَوْنُهَا بِحَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ جَمِيعَ الْمُحْدِثَاتِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى بَعْضُهَا بِلَا أَوْسَاطٍ وَلَا أَسْبَابٍ، وَبَعْضُهَا بِوَسَائِطَ وَأَسْبَابَ، لَا بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْوَسَائِطُ وَالْأَسْبَابُ لِذَاتِهَا اقْتَضَتْ أَوْ يَكُونُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي وُجُودِ الْمُسَبَّبَاتِ، بَلْ خَلَقَهَا اللَّهُ بِحَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ.

فَتَكُونُ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لِلْعَبْدِ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ وَمَقْدُورَةً لِلْعَبْدِ بِقُدْرَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ فِيهِ، وَالْقُدْرَةُ مُمَيَّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ مِنْ حَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، لَكِنْ هَلْ يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَمْ لَا؟

فَنَقُولُ: الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ يَكُونُ آتِيًا قَبْلَ الْآنَ طَرَفُ الزَّمَانِ أَوْ جُزْأَهُ عُلِمَ ذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءِ الْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الشَّرْعِ، بَلْ يَكُونُ زَمَانِيًّا إمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْرَارِ كَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ.

وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ ذَلِكَ ذَا أَجْزَاءٍ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالذَّاتِ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ تَعَلُّقًا بِأَجْزَائِهِ مُحَالَ الْحُدُوثِ، وَإِنْ وَقَعَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ لَمْ يَقَعْ

<<  <  ج: ص:  >  >>