مِنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْحَرْفِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ حُرُوفِ الْمَعَانِي وَلِجُزْئِهِ، فَإِنَّ " لَيْتَ " مَثَلًا حَرْفٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّامِ وَالْيَاءِ التَّاءِ يُقَالُ لَهُ: حَرْفٌ فَهَذَا هُوَ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمُسَمَّى وَجُزْئِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَلَازِمِهِ فَهُوَ عَسِرٌ. مَعَ إمْكَانِهِ. انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُمَثَّلَ لَهُ بِلَفْظِ " مَفْعَلُ " فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ نَقَلُوا أَنَّهُ اسْمٌ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَصْدَرِ، وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ عَادَةً فَيَكُونُ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِلشَّيْءِ وَلَازِمِهِ، إذْ لَا فِعْلَ إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان عَادَةً، وَمِثْلُهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ " بِفَعِيلٍ " الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، كَالرَّحِيمِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَرْحُومِ كَمَا يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّاحِمِ نَصَّ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ، هُوَ إذَا دَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ دَلَّ عَلَى الْآخَرِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ، لِكَوْنِهِ لَازِمًا لَهُ، وَهُوَ أَيْضًا تَمَامُ مُسَمَّاهُ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ دَلَالَةَ الْمُطَابَقَةِ، فَلَمْ يَكُنْ التَّعْرِيفُ مَانِعًا.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ أَيْضًا فِي الْمُطَابَقَةِ احْتِرَازًا عَنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ، وَبَيْنَ الْكُلِّ وَاللَّازِمِ عَلَى الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ أَوْ الِالْتِزَامِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ حِينَئِذٍ دَلَالَةٌ عَلَى تَمَامِ الْمُسَمَّى، وَلَيْسَتْ مُطَابَقَةً.
وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهَا، لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُمَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُطَابِقَةِ، لِكَوْنِهِمَا تَابِعَيْنِ لَهَا، فَلَوْ جُعِلَ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ جُزْءًا مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُطَابَقَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ الْمُطَابَقَةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَعْلُومًا قَبْلَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَهُوَ مُحَالٌ. قَالَ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِيهِ.
وَبَعْضُهُمْ حَذَفَ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ فِي الثَّلَاثِ اعْتِبَارًا بِقَرِينَةِ ذِكْرِ التَّمَامِ وَالْجُزْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute