يَقُولَانِ: إنَّ عِلِّيَّةَ الْعَالَمِيَّةِ هِيَ الْعِلْمُ، وَهِيَ غَيْرُ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.
هَذَا أَصْلُ الْخِلَافِ، وَمِنْهُ أَخْذُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِجَوَازٍ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: مُقْتَضَى اللُّغَةِ مَا ذَكَرْتُمْ، وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ مَنَعَ هُنَا، فَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الْخَاصِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ تَعْمِيمُ الْمُشْتَقَّاتِ بِذَلِكَ، وَيَخْرُجُ الْكَلَامُ مِنْهَا عَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ إلَى عِلْمِ الْكَلَامِ، وَيَصِيرُ الْخِلَافُ مَعْنَوِيًّا لَا لَفْظِيًّا لُغَوِيًّا.
وَإِنْ رَجَعْنَا بِهَا إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ فَنَقُولُ: الْمُشْتَقُّ إمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي صِدْقِهِ وُجُودُ الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ الْحَارِثُ وَالْعَبَّاسُ، فَإِنَّهُمَا يُسَمَّى بِهِمَا وَلَيْسَ بِحَارِثٍ، وَلَا كَثِيرِ الْعَبُوسِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ لَاحَظَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُطْلَقَ أَوْ الشَّائِعَ فِي بَعْضِ الْأَعْيَانِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ وَيَكْرَهُ قَبِيحَهَا.
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ فَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الصِّفَةِ كَالْعَالِمِ وَالْقَائِمِ، وَيُشْتَرَطُ فِي صِدْقِهِ حَقِيقَةُ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَإِطْلَاقُهُ مَعَ عَدَمِهِ مَجَازٌ مَحْضٌ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ هَذَا الْمَجَازُ فِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ وَاشْتَهَرَ، وَذَلِكَ كَالْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْغَافِلِ وَالنَّائِمِ وَالْمَيِّتِ مَعَ قِيَامِ مَوَانِعِ الْإِيمَانِ اسْتِصْحَابًا لِلْمَعْنَى السَّابِقِ وَالْحُكْمِ اللَّاحِقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ هُنَا، وَإِنْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَقِيقَةً فِي أَصْلِهِ وَإِنْ قَلَّ اسْتِعْمَالُهُ، وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ خِلَافُ أَبِي هَاشِمٍ فِي هَذَا فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ وُجُودَ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِدْقِ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُشْتَقِّ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِعْمَالَ الْعُرْفِيَّ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute