وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: إنَّ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا لُغَوِيَّةٌ، وَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ مَوْضُوعِ اللُّغَةِ، وَأَنْ لَا إيمَانَ إلَّا بِتَصْدِيقٍ، وَأَنْ لَا تَصْدِيقَ إلَّا بِإِيمَانٍ، وَقَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ لُغَةً: الدُّعَاءُ، وَالْحَجَّ: الْقَصْدُ، وَالزَّكَاةَ: النَّمَاءُ، وَالْوُضُوءَ: النَّظَافَةُ، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَتَى بِفِعْلِهَا عَنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَفَرَّقَ أَبُو الْحَسَنِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، فَقَالَ: كُلُّ إيمَانٍ إسْلَامٌ، وَلَيْسَ كُلُّ إسْلَامٍ إيمَانًا، وَقَالَ: إنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ وَالْمُتَابَعَةُ لِلَّهِ فِي طَاعَاتِهِ، وَالْإِيمَانُ بِهِ، وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، وَقَالَ: إنَّ الْمُنَافِقَ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَسْلِمٌ فِي الظَّاهِرِ غَيْرُ مُصَدِّقٍ فِي الْبَاطِنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] فَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. اهـ.
[النَّافُونَ لِلْحَقِيقَةِ] ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّافُونَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهَا مُقَرَّةٌ عَلَى حَقَائِقِ اللُّغَاتِ، لَمْ تُنْقَلْ وَلَمْ يُزَدْ فِي مَعْنَاهَا، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَقَرَّتْ وَزِيدَ فِي مَعْنَاهَا فِي الشَّرْعِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ. قُلْت: وَهُوَ مَا نَصَّهُ ابْنُ فُورَكٍ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَقْلِ الِاسْمِ عَنْ اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ إبَانَةُ مَوْضِعِ مَا أُرِيدَ بِإِيقَاعِهِ فِيهِ، فَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ مَعَانِيهَا الدُّعَاءُ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِالشَّرْعِ عَنْ مَعْنَاهُ، بَلْ أَتَى بِوَضْعِهِ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ، فَقِيلَ: نَدْعُو عَلَى صِفَةِ كَذَا، وَلَا يَتَغَيَّرُ مَعْنَى الِاسْمِ بِذَلِكَ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute