وَيَخْرُجُ مِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ التَّفْضِيلُ بَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالِاسْمِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ عَنْ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا، فَلَا يَمْتَنِعُ، وَقَدْ سَبَقَ نَقْلُهُ صَرِيحًا فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَائِلَهُ يَطْرُدُهُ هُنَا. الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهَا وَاقِعَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُعْتَزِلَةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ "، وَحَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَصَحَّحَهُ،
وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِهَا عَلَى مَذْهَبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهَا حَقَائِقُ وَضَعَهَا الشَّارِعُ مُبْتَكَرَةً لَمْ يُلَاحَظْ فِيهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَصْلًا، وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ فِيهَا تَصَرُّفٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. قَالُوا: وَتَارَةً يُصَادِفُ الْوَضْعُ الشَّرْعِيُّ عَلَاقَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَيَكُونُ اتِّفَاقِيًّا غَيْرَ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ، وَتَارَةً لَا يُصَادِفُهُ، وَقَالُوا: نَقَلَ الشَّارِعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُسَمَّيَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ، وَابْتِدَاءً وَضْعَهَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي، فَلَيْسَتْ حَقَائِقَ لُغَوِيَّةً، وَلَا مَجَازَاتٍ عَنْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ بِأَنْ يَكُونَ اُسْتُعِيرَ لَفْظُهَا لِلْمَدْلُولِ الشَّرْعِيِّ لِعَلَاقَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فِي " الْمَحْصُولِ "، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرَ أَنَّ الشَّرْعَ نَقَلَهَا نَقْلًا كُلِّيًّا، فَإِنَّ مَعَانِيَ اللُّغَةِ لَا تَخْلُو مِنْهَا، وَلَا اسْتَعْمَلَهَا اسْتِعْمَالًا كُلِّيًّا، وَإِلَّا لَتَبَادَرَ الذِّهْنُ إلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا فِي حَقِيقَتِهَا اللُّغَوِيَّةِ، بَلْ فِي مَجَازِهَا اللُّغَوِيِّ، فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِيقَةِ كَمَا يَتَكَلَّمُونَ بِالْمَجَازِ، وَمِنْ مَجَازِهَا: تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ أَجْزَائِهِ، وَالصَّلَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute