للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ جُزْءٌ مِنْهَا، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، قَالَ: فَلَمْ يَخْرُجْ اسْتِعْمَالُهُ عَنْ وَضْعِ اللُّغَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي ذَيْلِ الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ مِمَّنْ صَحَّحَ الْوُقُوعَ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهَا مَجَازَاتٌ شَرْعِيَّةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ: أَنَّهَا حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ، ثُمَّ حَقَّقَ، وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْأَسْمَاءُ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ فِيهَا مَعْنَى اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْلُو عَنْ الدُّعَاءِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَخْرَسُ نَادِرٌ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ فَقَدْ يَخْلُو فِي بَعْضِ الْمَرْضَى عَنْ مُعْظَمِ الْأَفْعَالِ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الشَّارِعَ تَجَوَّزَ، وَوَضَعَ اللَّفْظَ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَضْعًا حَقِيقِيًّا. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: ثَبَتَ مِنْهَا قَصْرُ التَّسْمِيَةِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهَا، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لُغَةً: الدُّعَاءُ، وَقَصَرَهُ الشَّرْعُ عَلَى دُعَاءٍ مَخْصُوصٍ، وَثَبَتَ أَيْضًا إطْلَاقُهَا عَلَى الْأَفْعَالِ مِنْ السُّجُودِ وَنَحْوِهِ تَوَسُّعًا وَاسْتِعَارَةً مِنْ الدُّعَاءِ، لِأَنَّ الدَّاعِيَ خَاضِعٌ، فَكَذَلِكَ السَّاجِدُ، فَالْمُثْبِتُ لِلنَّقْلِ إنْ أَرَادَ الْقَصْرَ أَوْ التَّجَوُّزَ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَبَاطِلٌ، وَنَازَعَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ الْقَصْرُ وَالتَّجَوُّزُ لَا تَغْيِيرَ فِيهِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَقْصُرُ الشَّيْءَ عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَتْهُ لَهُ، وَيَصِيرُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً مَهْجُورَةً كَمَا فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ وَهُوَ مَجَازٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الزِّيَادَةُ عَلَى وَضْعِهِمْ تَغْيِيرٌ، فَكَذَلِكَ النَّقْصُ مِنْهُ، لِتَعَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ: أَنَّ الْمَوْضُوعَاتِ الشَّرْعِيَّةَ مُسَمَّيَاتٌ لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>