للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِالْأُصُولِ بِالدِّينِيِّ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا وَقَعَ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَقَطْ، وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي " شَرْحِ اللُّمَعِ " وَابْنُ الصَّبَّاغِ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَرْعِيَّةَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الدِّينِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ فَحَكَى الْخِلَافَ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَطْعَ بِالْمَنْعِ فِي الدِّينِيَّةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي " الْقَوَاطِعِ ": وَصُورَةُ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ: الْأَوَّلُ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مِنْ النَّاس مَنْ نَفَى النَّقْلَ مُطْلَقًا فِي الدِّينِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ كَالْقَاضِي، وَمَنْ أَثْبَتَهُ مُطْلَقًا كَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الدِّينِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، فَأَثْبَتَ الشَّرْعِيَّةَ وَنَفَى الدِّينِيَّةَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَكْسِهِ، فَالْقَاضِي يَقُولُ: إنَّهَا مُقَرَّةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا فِي اللُّغَةِ لَمْ تُنْقَلْ وَلَمْ يُزَدْ فِيهَا، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ: كَذَلِكَ زِيدَ فِي الِاعْتِدَادِ بِمَدْلُولَاتِهَا أُمُورٌ أُخْرَى. وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ يَقُولُ: إنَّهَا مُقَرَّةٌ عَلَى مَجَازَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: نُقِلَتْ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ نَقْلًا بِالْكُلِّيَّةِ إلَى مَعَانٍ أُخْرَى شَرْعِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ النَّقْلِ إلَى الْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَقُولَانِ: اسْتَعْمَلَهَا الشَّارِعُ مَجَازَاتٍ ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ فَصَارَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً، لِغَلَبَتِهَا فِيمَا نُقِلَتْ إلَيْهِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الرَّازِيَّ، وَلِهَذَا نَقَلَ الْهِنْدِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مَا كَانَ لُغَوِيًّا كَمَا فِي الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ دُونَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ مَنْقُولًا عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَفَى النَّقْلَ جُمْلَةً، وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>