للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي النَّقْلِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ مَجَازًا لُغَوِيًّا. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: عِنْدَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَجَازَاتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَضْعِ اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ أُفِيدَ بِهَا مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ، وَهِيَ حَقَائِقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَضْعِ الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْهَا إلَّا لِتِلْكَ الْمَعَانِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِاعْتِبَارَيْنِ. وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا.

تَنْبِيهَانِ [التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ هَذَا الْخِلَافُ يَضْمَحِلُّ إذَا حُقِّقَ الْأَمْرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ يُسْتَفَادُ مِنْهَا فِي الشَّرْعِ زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ وَضْعِ اللُّغَةِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ ذَلِكَ الْمَعْنَى يُصَيِّرُ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ مَوْضُوعَةً كَالْوَضْعِ الِابْتِدَائِيِّ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ، أَوْ هِيَ مُبْقَاةٌ عَلَى الشَّرْعِ، أَوْ هِيَ مُبْقَاةٌ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا تَصَرَّفَ فِي شُرُوطِهَا وَأَحْكَامِهَا؟ فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الشَّارِعَ تَصَرَّفَ فِيهَا، فَذَكَرَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ " تَعْلِيقِهِ " كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْأَسْمَاءُ الَّتِي نَقَلَهَا الشَّارِعُ مِنْ اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا زَادَ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ، فَأَبْقَاهَا الشَّارِعُ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَزَادَ الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. وَالثَّانِي: مَا نَقَصَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ، وَفِي الشَّرْعِ: الْقَصْدُ إلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>