للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّ الْقَدَرِيَّةَ قَدْ رَكِبُوا هَذَا فَحَمَلُوا آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ هِيَ حَقَائِقُ عَلَى الْمَجَازَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] قَالُوا: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ سُرْعَةِ إيجَادِهِ لِأَفْعَالِهِ، وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١] إنَّ هَذَا مَجَازٌ نَحْوَ امْتَلَأَ الْحَوْضُ، وَقَالَ: قُطْنِيٌّ، وَأَنْكَرُوا أَيْضًا قَوْلَ جَهَنَّمَ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: ٣٠] وقَوْله تَعَالَى فِيهَا: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج: ١٧] وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَاهُ مَصِيرُ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى إلَيْهَا، وَهَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ اسْتَنْبَطُوهَا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَلَيْسَ فِي وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يُوجِبُ تَأْوِيلَ الْحَقَائِقِ عَلَى الْمَجَازِ. وَقَوْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا حَقِيقَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْحَقِيقَةِ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: الْحَيَاةُ شَرْطٌ فِي النُّطْقِ يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهَا الْحَيَاةَ فِي وَقْتِ نُطْقِهَا، فَ {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١] . وَالْقَلَانِسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْحَيَاةَ فِي الْكَلَامِ وَأَجَازَ وُجُودَ الْكَلَامِ فِي الْجَمَادَاتِ بِأَنْ يُخْلَقَ فِيهَا الْكَلَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْخِطَابِ بِالْمَجَازِ وَجْهٌ زَائِدٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَى الْحَقِيقَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>