وَالْمَجَازِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ عِنْدَ الْحَكِيمِ، ثُمَّ يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْمَجَازِ عَادِلٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْمَوْضُوعَةِ، وَيَقْصِدُ إلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ الْحَكِيمُ إلَّا لِغَرَضٍ زَائِدٍ. وَمِنْ فَوَائِدِهِ التَّعْرِيضُ بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي فِكْرًا وَنَظَرًا كَمَا يَقُولُ فِي الْخِطَابِ بِالْمُتَشَابِهِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْكَلَامِ أَدْخَلَ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَبْلَغَ وَأَوْجَزَ.
فَائِدَةٌ فِي تَحْرِيرِ النَّقْلِ عَنْ الظَّاهِرِيَّةِ فِي نَفْيِ الْمَجَازِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّاوُدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِ " أُصُولِ الْفَتْوَى "، وَهَذَا الْكِتَابُ عُمْدَةُ الظَّاهِرِيَّةِ فِيمَا صَحَّ عَنْ دَاوُد وَابْنِهِ، فَقَالَ مَا نَصُّهُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجَازَاتِ وَالِاسْتِعَارَاتِ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: فِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ فَهُوَ مَرْدُودٌ إلَيْهِمَا دُونَ رَدِّهِ إلَى الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ وَالِاسْتِعَارَةُ بِوَجْهٍ، وَجَمِيعُهُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، وَرُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ مُوَافِقِيهِ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد فِي آخَرِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: الْمُسْتَعِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْآخِذُ مَا لَيْسَ لَهُ، فَإِذَا سَمَّى الرَّجُلُ لَفْظَةً فِي الْقُرْآنِ مُسْتَعَارَةً، فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا قَدْ وُضِعَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ الْأَصْلِيَّةَ الَّتِي جَعَلَتْ الْأُخْرَى مُسْتَعَارَةً مِنْهَا لَنْ تَخْلُوَ أَنْ تَكُونَ إنَّمَا صَارَتْ أَصْلِيَّةً لِخَاصِّيَّةٍ فِيهَا مَوْجُودَةٍ فِي عَيْنِهَا، أَوْ لِأَنَّ اللُّغَةَ جَاءَتْ بِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا تِلْكَ الْعِلَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْ ذَلِكَ الِاسْمَ لَهَا، وَلَمْ يَجِدْ مُدَّعٍ إلَى تَصْحِيحِهَا سَبِيلًا؟ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَارَتْ أَصْلِيَّةً؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute