للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكَلَّمَتْ بِهَا، فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمَّتْهَا مُسْتَعَارَةً، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَلَّا يُزَالَ اسْمُ الِاسْتِعَارَةِ عَنْهَا، فَتَصِيرَ أَصْلِيَّةً قَائِمَةً بِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: ١٠٢] ؟ وَقَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] ؟ قِيلَ: لِهَذِهِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ اللُّغَةِ زَعَمَ أَنَّ اسْمَ الْقَرْيَةِ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةِ الرِّجَالِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: ٥٩] وَإِلَّا لَقَالَ: أَهْلَكْنَاهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَالْبِنَاءَ يُخْبِرَاك عَنْ صِدْقِنَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً فِي أَمْرِ يَعْقُوبَ وَوَلَدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا ادَّعَاهُ خُصُومُنَا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ " أَيْ أَهْلَهَا، وَأَنَّ قَرْيَةً اسْمٌ لِلْبُنْيَانِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْ تَكُونَ اسْتِحَالَةُ سُؤَالِ الْأَرْضِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ سُؤَالَ النَّاسِ، وَيَكُونُ هَذِهِ حَقِيقَةً فِي مَعْنَاهَا لَا اسْتِعَارَةً. اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ " الْإِحْكَامِ ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجَازِ فَقَوْمٌ أَجَازُوهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْمٌ مَنَعُوا مِنْهُ، وَاَلَّذِي نَقُولُ: أَنَّ الِاسْمَ إذَا تَيَقَّنَّا بِدَلِيلِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ طَبِيعَةٍ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١] وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَا شَاءَ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ دَلِيلًا عَلَى نَقْلِ الِاسْمِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مَنْقُولٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] فَكُلُّ خِطَابٍ خَاطَبَنَا اللَّهُ بِهِ أَوْ رَسُولُهُ، فَهُوَ عَلَى مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى، فَإِذَا وَجَدْنَا ذَلِكَ نَقَلْنَاهُ إلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، فَكُلُّ كَلِمَةٍ نَقَلَهَا اللَّهُ مِنْ مَوْضُوعِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>