فَيَتَعَادَلَانِ وَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ تَعَادُلِ الْمُرَجِّحَيْنِ، وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَعُزِيَ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ.
قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ الْمِثَالُ، فَإِنَّهُمْ مَثَّلُوا الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ مِنْهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ الْأَوَانِي الْمَمْلُوءَةِ مِنْهُ، وَعِنْدَنَا يَحْنَثُ بِالِاغْتِرَافِ مِنْهُ كَمَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عِنْدَنَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَلْفَاظِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. قَالُوا: وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ هَلْ هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ فِي الْحُكْمِ؟ فَإِنْ كَانَ الْمَجَازُ خَلَفًا فِي حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ لَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ، فَيُجْعَلُ اللَّفْظُ عَامِلًا فِي حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ. هَذَا تَحْرِيرُ التَّصْوِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالنَّقْلِ وَالتَّمْثِيلِ، فَاعْتَمِدْهُ وَاطْرَحْ مَا عَدَاهُ. وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ " مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا عُرْفَ لَهُ وَلَا قَرِينَةَ، فَإِنْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَطْعًا أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ حُمِلَ عَلَيْهَا. وَالْحَقُّ: أَنَّ الْمَجَازَ إنْ تَرَجَّحَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ كَالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعُرْفِيَّةِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ إنْ صَدَرَ مِنْ الشَّرْعِ، وَعَلَى الْعُرْفِيَّةِ إنْ صَدَرَ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَرَجَّحَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعُرْفِيَّةِ أَوْ انْتَهَى إلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُجْمَلًا، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِالْقَرِينَةِ أَوْ النِّيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute