فَالْحَقِيقَةُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الْعَطْفِ لِلْجَمْعِ وَالِاشْتِرَاكِ، كَقَوْلِك: جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو. وَالْمَجَازُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ بِمَعْنَى " أَوْ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] . وَالْمُخْتَلَفُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي التَّرْتِيبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا تَكُونُ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي التَّرْتِيبِ مَجَازًا، وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهَا تَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ حُمِلَتْ عَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ الْجَمْعِ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ وَاحْتِمَالُ تَأْخِيرِ الْمَعْطُوفِ كَثِيرٌ وَتَقَدُّمُهُ قَلِيلٌ، وَالْمَعِيَّةُ احْتِمَالٌ رَاجِحٌ. هَذَا كَلَامُهُ فِي الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ.
أَمَّا الَّتِي بِمَعْنَى " مَعَ " فِي الْمَفْعُولِ مَعَهُ، قَالَ الْهِنْدِيُّ: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ تَقْتَضِي الْجَمْعَ بِصِفَةِ الْمَعِيَّةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: جَاءَ الْبَرْدُ وَالطَّيَالِسَةُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الْوَاوِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ لَا تُوجَدُ فِي سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ، وَهِيَ أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْجَمْعِ أَعَمُّ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْعَطْفِ. بَيَانُهُ: أَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ الْجَمْعِ، وَتَخْلُو عَنْ الْعَطْفِ، كَوَاوِ الْمَفْعُولِ مَعَهُ وَوَاوِ الْقَسَمِ؛ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ الْبَاءِ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ، وَالشَّيْءُ إذَا لَاصَقَ الشَّيْءَ بَعْدُ جَامَعَهُ، وَوَاوُ الْحَالِ لَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُصَاحَبَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ: لَا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ لِلْجَمْعِ دُونَ الْعَطْفِ. قِيلَ: وَقَوْلُهُمْ: الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ اسْمٌ لَيْسَتْ حَرْفًا، وَإِنَّمَا الْعَطْفُ " وَ " وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ فِي " شَرْحِ الْإِيضَاحِ ": إنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ صُدُورُهُ مِنْ وَاحِدٍ، فَأَمَّا نَحْوُ اخْتَصَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute