للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاقٍ فِي النَّهْيِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ مِنْ الْإِيجَابِ فِي الْخَبَرِ، وَقَدْ يَتَنَاوَلُ النَّفْيُ الْكَلَامَ الْمُوجِبَ فَيَنْفِيهِ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ تَنَازَعَهَا الْعُلَمَاءُ وَقَصَدْت فِيهَا رَأْيَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ النَّهْيُ حُكْمُهُ فِي تَنَاوُلِ الْمَأْمُورِ بِهِ حُكْمُ تَنَاوُلِ النَّفْيِ الْمُوجِبِ، فَإِنْ كَانَ التَّخْيِيرُ الَّذِي كَانَ فِي الْأَمْرِ بَاقِيًا مَعَ النَّهْيِ بِحَالِهِ لَمْ يَكُنْ الْمَنْهِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ فِي " أُصُولِهِ ": " أَوْ " تَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مِمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَا جَمِيعَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] فَهَذَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا فِي النَّفْيِ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِيَالِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] وَقَوْلُهُ: {أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: ١٤٦] فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِيَالِهِ لَا عَلَى تَعَيُّنِ الْجَمْعِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمَنَّ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا: إنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَيِّهِمَا وَقَعَ. وَحَكَى السِّيرَافِيُّ فِي " شَرْحِ سِيبَوَيْهِ " أَنَّ الْمُزَنِيّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت أَحَدًا إلَّا كُوفِيًّا أَوْ بَصْرِيًّا. فَقَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا حَانِثًا.

فَذَكَرَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَالَ: خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} [الأنعام: ١٤٦] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: ١٤٦] وَكُلُّ ذَلِكَ مَا كَانَ مُبَاحًا خَارِجًا بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ التَّحْرِيمِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>