أَيْ: التَّعَدُّدُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ يُعْلَمُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ انْتِفَاءُ الْفَسَادِ، فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ نَظَرَ إلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي نَظَرَ إلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي.
وَعَلَى عِبَارَةِ الْأَكْثَرِينَ فَالْجُمْلَتَانِ بَعْدَهَا لَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ تَكُونَا مُوجِبَتَيْنِ نَحْوُ لَوْ زُرْتنِي لَأَكْرَمْتُك فَيَقْتَضِي امْتِنَاعَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَا مَنْفِيَّتَيْنِ نَحْوُ لَوْ لَمْ تَزُرْنِي لَمْ أُكْرِمْك فَيَقْتَضِي وُجُودَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ " لَوْ " لَمَّا كَانَ مَعْنَاهَا الِامْتِنَاعَ لِامْتِنَاعٍ، وَقَدْ دَخَلَ الِامْتِنَاعُ عَلَى النَّفْيِ فِيهِمَا فَامْتَنَعَ النَّفْيُ، وَإِذَا امْتَنَعَ النَّفْيُ صَارَ إثْبَاتًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مُوجَبَةً وَالْأُخْرَى مَنْفِيَّةٌ وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ يُعْلَمُ حُكْمُهُمَا مِنْ الَّتِي قَبْلَهُمَا. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ مَوَاضِعَ ظَنَّ أَنَّ جَوَابَهَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: ١١١] ، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: ٢٧] وَقَوْلُ عُمَرَ: " نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ جَرَيْنَا عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لَلَزِمَ مِنْهُ عَكْسُ الْمُرَادِ.
ثُمَّ تَفَرَّقَ الْمُعْتَرِضُونَ الَّذِينَ رَأَوْا لُزُومَ هَذَا السُّؤَالِ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الِامْتِنَاعَ بِوَجْهٍ بَلْ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ وَالتَّعَلُّقِ فِي الْمَاضِي كَمَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّلَوْبِينَ وَابْنِ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيِّ وَابْنِ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِمْ، وَتَابَعَهُمْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} [الأنفال: ٢٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute