للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعلته مبنياً من هذا، قالوا: فالواهب إذا كان زائد الغنى اتسع جوده كما أن الفعل قليل العطاء، وإلى هذا المعنى أومأ الشاعر بقوله:

ألم ترَ أنَّ المَرْءَ من سُوءِ حَالِهِ … يُلامُ عَلى معرُوفِه وَهُو مُحْسِن (١)

وإن جعلته من غني بمعنى أقام، فمعناه: أن الواهب زائدٌ في دوام هبته، ويدلُّها على الاستمرار من غير انقطاع.

وإن قلت: بناه مِنْ أغنى الرباعي، فمعناه: أكفى من كل كافٍ؛ ولك أن تنصب واهباً متفضلاً على الحال، وتقدر المعاني المتقدمة من الغنى والإقامة والكفاية في حال هبته وتفضله.

١١ - وخَيْرُ جَلِيسٍ لايُمَلُّ حَدِيثُهُ … وَتَرْدَادُه يَزْدَادُ فِيه تَجَمُّلا

كلُّ قول مكررٍ مملول إلا القرآن فإنه كلما كُرِّر حلا فهو خير جليس، و «لا يملُّ حديثه» في موضع الصفة للجليس، ولك أن تجعلها إضافةَ تخصيص لا تفضيل مع إثبات التفضيل في ذلك كله للقرآن فيكون «لا يمل حديثه» على هذا صفةً له.

في الحديث: «مثلُ صاحبِ القُرْآَنِ مَثَلُ جرابٍ مملوءٍ مِسْكَاً يَفوحُ به كلَّ مَكَانٍ» (٢)؛ فأي جليسٍ أفضل منه.

وعن عليٍ الأزدي قال: أردت الجهاد، فقال لي ابن عباس: ألا أدلك على ما هو خيرٌ لك من الجهاد؛ تأتي مسجداً فتقرأ فيه القرآن وتُعلِّم فيه الفقه.

وفي الحديث: «يقولُ اللهُ تعالى: إِني أهمُّ بعذاب عبادي فأنظر إلى عمَّارِ المساجد، وجُلساءِ القرآنِ، وولدانِ الإسْلامِ فَيَسْكُنُ غَضَبي» (٣).


(١) لم أقف عليه.
(٢) سنن ابن ماجه ١/ ٧٨ برقم (٢١٧).
(٣) رواه البيهقي عن أنس بن مالك بلفظ فأنظر إلى عمار بيوتي والمستغفرين بالأسحار. الإتحافات السنية ص/ ٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>