للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف يُمَلُّ وهو أحسن الحديث كما قال سبحانه: {الله نزَّل أحْسَنَ الحَدِيثِ} (١)

قال بعض البلغاء: فَضْلُ القرآن على سائر الكلام معروفٌ غير مجهول وظاهرٌ غير خفي يشهد بذلك عجز المتعاطين، ووهن المتكلفين، وتحير الكائدين. وهوالمتلو الذي لا يملُّ، والجديدُ الذي لا يخلقُ، والحقُّ الصَّادعُ، والنَّور السَّاطِع، والماحِي لظُلم الضَّلالِ، ولسانُ الصدقِ المؤنِبِ للكذبِ، نذيرٌ قدمتْه الرَّحمةُ قبلِ الهلاكِ، فهو ناعي الدُّنيا المُتَحوِّلَة (٢)، وبشيرُ الآخرةِ المُخَلَّدَةِ، ومفتاحُ الخَيرِ ودليلُ الجَنَّةِ.

إنْ أَوْجَزَ فكافِئَاً، وإنْ كَرَّرَ فَذَاكِرَاً، وإِنْ أَوْمَأَ فَمُقْنِعَاً، وإنْ أَطَالَ فَمُفْهِمَاً، وإِنْ أَمَرَ فَنَاصِحَاً، وإنْ حَكَم فعادلاً، وإن خبَّر فصادقاً، وإن بيَّنَ فشافياً، سهلٌ على الفهم، صعبٌ على التعاطي، قريب المأخذ، بعيد المرام، سراجٌ تستضيء به القلوب، حلوٌ إذا تَذَوَّقَتْه العقول، بحر العلوم وديوان الحكم، وجوهر الكلم، وشفاء سقام الريب، نزهة المتوسمين، وروح قلوب الموقنين.

نَزَل به الروحُ الأمين على محمدٍ خاتم النبيين، فخصم الباطل، وصدع بالحقِّ، وتألف النفرة (٣)، وأناش من الهلكة (٤)، وواصل الله به النصر، وأصدع به خدَّ الكفر.


(١) الآية (٢٣) من سورة الزمر.
(٢) في (ت) [المتحركة].
(٣) أي: جمع العرب المتناحرة.
(٤) أي: أبعد من الهلكة ومن {وأنى لهم التناوش} التأخر والتباعد. مختار الصحاح ص/ ٦٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>