«ومنهن» يعني الحروف والأغفل الذي لا نقط له، وذلك أنه ذكر القرَّاءَ في هذا النَّظْم مرتين، جعل حروف أبي جاد على تأويلها لهم على ترتيبهم، فلكلِّ قارئٍ ما أصابه منها، ولاتدخل الواو في هذا الحكم لأنها فاصلة، وما رتبهم على هذا الترتيب إلا لمعنى، ألا تراه قدَّم البزِّيَّ على قنبلٍ لعلو سنده، وقدَّم هشاماً على ابن ذكوان لشهرته في رواية الحديث، وقدَّم أبا بكرٍ على حفصٍ لثناء العلماء عليه، وقولهم: إنه العالم الذي أحيا الله به زمانه، قاله وكيع وغيره.
وقدَّم أبا الحارث على الدوري لتفرده بالكسائي، ووافق انقضاء القرَّاء الانتهاء إلى الثاء من الحروف، فجعلها وما بعدها من الحروف دلائل على القرَّاء مجتمعين على الترجمة الواحدة، فجعل الثاء للكوفيين لأنهم ثلاثة، والثاء مثلثة، أو لأنها تشترك مع الفاء في المخرج، وجعل الخاء للستة لأنها حرف استعلاءٍ، وقد استعلت هذه القراءة باجتماع ستة عليها، وللخاء زيادة على غيرها من حروف الاستعلاء لأنها من حروف الحلق، فلها الأولية، ولما كانت الذال تزيد على الثاء بالجهر مع اشتراكها في الرِّخَاوة جعلها للكوفيين وابن عامر، ولما كان ابن كثير له العلو المذكور، وانضاف إلى الكوفيين، جعل لهم الظاء للجهر الذي فيها والاستعلاء، ولم يُبْقِ مناسباً لما ذكر ومشاكلاً من الحروف إلا الغين فجعلها لأبي عمرو مع الكوفيين، ولما كان للشين مخرجان لما فيها من التفشي بخلاف سائر الحروف جعلها للإثنين: الكسائي وحمزة، وانقضت حروف أبجد، وبقيت جموع أخر فجعل لها كلمات اختارها ونصبها دلائل على ما بقي من الجموع، فقال في حمزة والكسائي وأبي بكر «صحبة» ويقال: لهما مع حفص «صحاب» إذا