للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ورفع قليل منهم» مبتدأ، وكلل النصب خبره، والمفعول الذي أقيم مقام الفاعل أعني الضمير في كلل هو العائد إلى رفع قليل، وإنما جاز أن يقال: كلل الرفع بالنصب أي: جعل له كالإكليل من قولهم: روضة مكللة محفوفة بالنور، لأنَّ الأولى عند النحويين قراءة الرفع على البدل، والنصب جائز على أصل الاستثناء، ويجوز أن يحمل على: إلا فعلاً قليلاً، فكأنَّ قراءة النصب لَمَّا كانت تابعةً لقراءة الرفع أشبهت الإكليل التابع للروضة.

١٦ - وأَنِّثْ يَكُنْ عَنْ دَارِمٍ تُظْلَمُونَ غَيْـ … ـبُ شُهْدٍ دَنَا إِدْغَامُ بَيَّتَ فِي حُلا

الدارم الذي يقارب في مشيه الخطا، والشيخ يقارب الخطو، يشير إلى أنَّ القراءة منقولةٌ عن شيخٍ طعن في السن حتى قارب الخطو، وابن كثير أيضا دارمي، والقراءة منقولةٌ عن دارم لأنه منهم، والتأنيث للمودة والياء لأنَّ المودة بمعنى الودِّ وللفصل بين الفعل والفاعل، ولأنَّ المؤنث غير حقيقي والياء في يظلمون لأنَّ قبله {ألم تَرَ إِلى الَّذِين قِيلَ لَهُمْ} (١) إلى آخره؛ فالغيب ردٌّ على ذلك، والخطاب ردٌّ على قوله: {قل مَتَعٌ الدُّنيا قَلِيل} (٢) فهو للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، أو على قل لهم: ولا يظلمون.

وشبَّه قراءةَ الغيب بالشُّهد الذي دنا لسهولة معناه وظهوره؛ فهو حلوٌ كالشهد الذي يتناوله مع دُنُو من غير بعد ولا كلفة، وإنما كان إدغام «بيَّت في حلا» وهو جمع حلية لأنَّ التاء من مخرج الطاء، والطاء أقوى منها، وإدغام الأضعف في الأقوى حسن، لأنه تقوية له فيصير بالتقوية في حُلَى، وكره ذلك أبو عبيد وأصحاب الاختيار، وقال: لأنَّ ترك الإدغام ممكن.


(١) الآية ٧٧ من سورة النساء.
(٢) الآية ٧٧ من سورة النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>