للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يعتلُّ العِلَّة الشَّدِيدةَ فلا يشتكي ولايتَأوَّه، وإذا سُئِل عن حالِهِ قال: (العافية) لايزيدُ على ذلك.

وذكرتُ له يوماً جَامِعَ مصر (١)، وقلتُ: قد قيل: إنَّ الأذَانَ يُسمَعُ فيه مِنْ غَيْرِ المؤذِّنين ولايُدرى ماهو؟.

فقال: قد سَمِعْتُه مِرَارَاً لا أُحصيها عند الزَّوَال (٢).

وقال لي يوماً: جَرَتْ بيني وبين الشيطان مخاطبةٌ، فقال لي: فعلتَ كذا فسأُهلِكُك

فقلتُ له: واللهِ ما أبالي بك.

وقال لي يوماً: كنتُ في الطريق وتخلَّفَ عنَّي من كان معي، وأنا على الدابَّةِ، وأقبل اثنانِ فسَبَّني أحدُهما سبَّاً قبيحاَ، وأقبلتُ على الاستعاذة، وبَقي كذلك ما شاء الله، ثم قال له الآخر: دَعْهُ، وفي تلك الحال لَحِقَني من كان معي، فأخبرتُه بذلك فطلبَ (٣) يميناً وشِمَالاً فلم يَجدْ أحداً.

وكان رحمه الله يَعْذِلُ (٤) أصحابه في السِّر على أشياء لا يعلمها منهم إلا الله -عز وجل-، وكان يَجْلِسُ إليه من لم يعرفه فَلا يَرْتاب في أنه يُبْصِرُ لأنه لذكائه لا يظهرُ منه ما يظهرُ من الأعْمَى في حركاتِهِ.

وُلِدَ في آخرِ سَنة ثمانٍ وثلاثين وخمسِ مائة، ومات في يوم الأحد بعد صلاة العصر وهو اليوم الثامن بعد العشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين،


(١) هو جامع عمرو بن العاص بالفسطاط، ويقال عنه: الجامع العتيق.
(٢) إكرام الله لأهل القرآن واسع، ومِنَحُه لا تحصى، وهذا من كرامات الله لأحبابه وصفوة خلقه.
(٣) قوله: [فطلب] في (ت) [فنظر].
(٤) عَذَلّ (العَذل) الملامة، ويقال: (عَذَلَه) أي لام نفسه. (انظر مختار الصحاح مادة (عذل) ص/ ٤٢١) والمعنى: يلوم أصحابه وتلامذته في أفعالٍ فعلوها في السر.

<<  <  ج: ص:  >  >>