بل لا يرتاب أنه يبصر لأنه ما كان يظهر فيه ما يظهر من الأعمى في الحركات، وقد عاش فقيراً ومات فقيراً، وكان ذكياً فَطِناً كثير الفنون، منقطع القرين، حافظاً للحديث، بصيراً بالعربية، واسع العلم، وكان يصحح نسخ صحيح البخاري ومسلم وموطأ مالك من حفظه، ويملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان لا يحب فضول الكلام، وإذا سُئِلَ عن حاله لا يقول إلا: العافية، وكان لا يشتكي ولا يتأوه ولا يظهر شيئاً من ذلك.
قال تلميذه الإمام السخاوي في وصف الإمام الشاطبي مانصه (١): «كان عالِماً بكتابِ اللهِ، بقراءاتِهِ وتفسيرِهِ، عَا لِمَاً بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مبرِّزَاً فيه، وكان إذا قُرِئَ عليه البخاريُّ ومسلمٌ والموطأُ يُصَحِّحُ النُّسَخَ من حفظه، ويُمْلي النُّكتَ على المَوَاضِع المحتاجِ إلى ذلك فيها وكان مُبرِّزاً في علمِ النَّحو والعربية، عَارفَاً بِعِلمِ الرؤيا، حَسَنَ المقاصِدِ، مُخْلِصَاً فيما يقولُ ويفعل، وكان يجتنبُ فُضُولَ القولِ، ولايتكلمُ في سَائِر أوقاتهِ إلا بما تدعو إليه ضرورةٌ، ولا يجلسُ للإقراء إلا على طهارةٍ في هيئةٍ حَسَنةٍ، وخضوعٍ واستكانةٍ، ويمنعُ جُلَسَاءهَ من الخوضِ والحديثِ في شيءٍ إلا في العلمِ والقُرْآن.
وكان يعتلُّ العِلَّة الشَّدِيدةَ فلا يشتكي ولايتَأوَّه، وإذا سُئِل عن حالِه قال:(العافية) لايزيدُ على ذلك، وكان يَجْلِسُ إليه من لم يعرفه فَلا يَرْتاب في أنه يُبْصِرُ لأنه لذكائه لا يظهرُ منه ما يظهرُ من الأعْمَى في حركاتِهِ».
(١) انظر مقدمة الإمام السخاوي ص ١/ ١٠٩ من هذه الرسالة في قسم التحقيق.