لكِ أن تتخيلي أيتها الغالية تلك المرأة الناحلة الجسد، الكبيرة السن، وهم يصبون عليها أصناف العذاب، والعذاب يشتد يوماً بعد يوم، وجاءت المواساة للأسرة المعذبة في دينها يوم مر عليها نبي الهدى والرحمة ورأى صنوف العذاب وهي تنهال على تلك الأجساد الضعيفة، فواساها بكلمات كالسلسبيل، تخفض حدة العذاب، وتعطي للإيمان طعماً وللحياة معنى وقيمة:(صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، فصنعت تلك الكلمات في تلك النفوس العجب العجاب من صبر وثبات.
فالسلعة غالية: يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن أين المشتري فلقد عرضت بأرخص الأثمان طال العذاب وسمية تتحمل مع أسرتها أنواع التنكيل والإرهاق، كل ذلك من أجل الله، ومن أجل دين الله جل في علاه، وكلما زاد العذاب زاد الصبر والثبات، حتى لم يعد الكفار يطيقون رؤيتها، ونفذ صبرهم من صبرها، فأخبروا أبا جهل بما يلاقون من عنادها وشدتها وثباتها، فأقبل في مساء يوم ومعه فتية من بني مخزوم قد أشعلوا النار في دار آل ياسر، ووضعوا آل ياسر في قيود الحديد، وصاروا يتفننون في تعذيبهم، ويلهبون أجسادهم بالسياط، ويطعنون أجسادهم بالخناجر والرماح، ويحرقونهم بالنار، ويلقون عليهم الأحجار الثقال، ما ذنبهم؟ وما هي جريمتهم؟ {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[البروج:٧ - ٩].
وهاهم يكررون نفس الأفعال في العراق وفي كل مكان، {َإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً}[التوبة:٨]، ملة الكفر لا تختلف سابقاً ولا لاحقاً، والعذاب يزداد وأبو جهل ينتظر من آل ياسر صيحة ردة عن دين الله، فيظفر بلا شيء، بل تقول سمية بكل قوة عندما ترى النبي صلى الله عليه وسلم يمر عليهم:(أشهد إنك لرسول الله، وأشهد أن وعدك الحق) أي: وعد الصبر الجنة، وعد صادق، وعهد سابق، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}[النساء:١٢٢].
أما اشترى الله منهم الأنفس والأموال على أن يكون الثمن الجنة؟! تقول ذلك وهي في شدة العذاب.