[عبر من حياة الشهيد أحمد ياسين]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
عباد الله! هذه الأحداث التي تتوالى هنا وهناك هي فرصة للمسلمين لتصحيح مسار الصراع، وتحويل مجراه إلى وجهته الحقيقية، فهو صراع دينيٌ منذ أن بدأ، ولكن من طرف واحد، وهو طرف الأعداء، فهم يقاتلوننا بتوراتهم وإنجيلهم، أما المتصدرون للصراع من بني جلدتنا فلقد أرادوها علمانية حتى النخاع، واستسلامية إلى ما تحت القاع.
لكم الله يا رجال فلسطين! ولكن الله يا نساء فلسطين! ولكم الله يا أطفال فلسطين! أيا فلسطين من يهديك أفئدة ومن يعيد لك البيت الذي خربا شردت فوق رصيف الدمع باحثة عن الحنان ولكن ما وجدت أبا تلفتي تجدين في مبادئنا من يعبد الجنس أو يعبد الذهبا يا شام إن جراحي لا ضفاف لها فامسحي عن جبيني الحزن والتعبا أتيت من رحم الأحزان يا وطني أقبل الأرض والأمجاد والشهبا أنا قبيلة آلام بكاملها ومن دموعي سقيت الأرض والسحبا يا شام أين هما عينا معاوية وأين من زاحموا بالمنكب الشهبا وقبر خالد في حمص نلمسه فيرجف القبر من زواره غضبا يا رب حيٍ تراب القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا يا ابن الوليد ألا سيف نؤجره فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا أدمت سياط حزيران ظهورهم فأدمنوها فباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟ يا من يعاتب مذبوحاً على دمه ونفس شريانه ما أسهل العتبا من جرب الكي لا ينسى مواجعه ومن رأى السم لا يسقى كمن شربا حبل الفجيعة ملتفٌ على عنقي من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا عباد الله! إن لم تحفزنا المصائب، وترفع هممنا الآلام والأحزان فما الذي يحركنا ويعلينا؟! يا له من دين لو أن له رجال، والله لولا أن الإسلام حق بذاته مؤيدٌ بتأييد الله، محفوظ بحفظه، لم تلق منه بقية تصارع قوى الشر في الأرض، التي ما تركت سبيلاً من المكر به إلا سلكته، ولا سبباً لإطفاء نوره إلا أخذت به، قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠]، ويقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٢١]، والله ما تعرض دين على مر السنين والعقود لمؤامرات ومخططات كما تعرض الإسلام، ولكن الله يقيض لهذا الدين رجالاً يحافظون عليه، ويدافعون عنه، ولا يضرهم من خالفهم أو خذلهم.
إنها الهمم التي تصنع الرجال! أحمد ياسين شيخ مشلول على كرسي متنقل، مهدد بالقتل، ثم تأبى نفسه إلا أن يصلي الفجر في جماعة، فتباً للأصحاء والأقوياء الذين آثروا النوم على نداء رب العالمين، فلقد اتصفوا بصفات المنافقين وما أكثرهم، أحمد ياسين شيخ قعيد أيقض الأمة، ونال الشهادة فمتى يتحرك صحيح البدن قعيد الهمة؟! أحمد ياسين يا أول الأطهار! في زمن الرذيلة والبغاء يا راحلاً للخلد لا أرثيك أنت بل لنا الرثاء لن نقبل التعازي فيك، فلقد رفعت رءوسنا وعلمتنا دروساً في التضحية والفداء، أحمد ياسين قالوا: بأنك مقعد، فكيف قعدت على قلب كأنك مشهد، وكيف كسرت الحواجز بين البلاد والعباد؟ ألست بمقعد؟ ركبت إلينا سفينة نوح فأجريتها وعيون البرية تشهد، أحمد ياسين بتضحية العظماء أمثالك يأتي النصر، وبموت أمثالك تحيا الأمة، عشت مقعداً قائداً، ومت شهيداً رائداً، أياسين! ماذا تبقى من العمر حتى تموت؟ أسبعون عاماً آخر؟ تجاوزت في أمنيات الدعاء حدود البشر وسافرت عبر براق الشهادة عبر القمر وخلفت أبناء العروبة يستنكرون ويستصرخون كعادتنا نحن في الشجب لا نتأخر فسافر بعيداً بعيداً فنعم المرا كب ما قد ركبت ونعم السفر إن التخطيط لاغتيال الصادقين من العاملين والمجاهدين في سبيل الله مستمر ولن يتوقف، لقد قتلوا عمر رضي الله عنه في محرابه، وقتلوا عثمان رضي الله عنه وقرآنه بين يديه، وقتلوا علياً رضي الله عنه وهو منطلق إلى مسجده، وهاهم يقتلون أحمد ياسين بعد أن صلى الفجر في جماعة، وفاز بذمة الله، فهنيئاً لك اللحاق بركب الصادقين! هم الرجال بأفياء الجهاد نموا وتحت سقف المعالي والمدى ولدوا جباههم ما انحنت إلا لخالقها وغير من أبدع الأكوان ما عبدوا الخاطبون من الغايات أكرمها والسابقون وغير الله ما قصدوا عباد الله! أمتنا ولودة، أمتنا معطاءة، أمتنا متجددة، فإن كانوا قد قتلوا أحمد ياسين فسيكون هناك ألف أحمد ياسين بإذن الله، فسر قوتنا في معتقدنا، في قرآننا، في تاريخنا، حتى في حجارتنا التي تنطلق من يد صغارنا.
نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أو في آخره) هاهم أبناء المسلمين في كل مكان يرددون: خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود! فسر قوتنا في شبابنا، في شيبنا، في نسائنا وأطفالنا.
سنعيد حياة العز ثانية وسوف نغلب من حادوا ومن كفروا وسوف نبني قصور المجد عالية قوامها السنة الغراء والصور وسوف نفخر بالقرآن في زمن شعوبه بالفسق والخنا افتخروا وسوف نرسم للإسلام خارطة حدودها العز والتمكين والظفر بصحوة ألبس القرآن فتيتها ثوب الشجاعة لا جبن ولا خور بتضحيات العظماء يأت النصر بإذن الله، وبموت الأبطال تحيا الأمة، فلا نامت أعين الجبناء.
اللهم تقبل أحمد ياسين، اللهم تقبله في أعلى عليين، وأسكنه في جناتك جناتٍ النعيم، اللهم بلغه أعلى درجات الشهداء والصديقين، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه يا رب العالمين! اللهم تقبل شهداءنا في كل مكان يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، اللهم فك أسرانا وأسراهم في كل مكان يا حي يا قيوم! اللهم كن مع إخواننا في فلسطين والشيشان، وكشمير والفلبين والعراق وأفغانستان، كن لهم عوناً وظهيراً، ومؤيداً ونصيراً، اللهم انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، اللهم شتت شمل عدوك وعدوهم يا قوي! يا عزيز! اللهم عليك باليهود الغاصبين، والنصارى المعتدين، وأعداء الملة والدين، ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم لا ترفع لهم في بلاد المسلمين راية، ولا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، وأخرجهم منها أذلة صاغرين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم أصلح الشباب والشيب، واحفظ النساء والأطفال يا رب العالمين! عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.