إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله! حدثتكم في الجمعة الماضية عن خروج المهدي وعن أحداث تسبق خروجه، وحدثتكم عن صفاته وبعض من أخباره، وحتى يكون الحديث متصلاً سأحدثكم اليوم عن الدجال، وهو أعظم فتنة تمر على البشرية، فما من نبي إلا حذر قومه الدجال، ولكن تحذير نبينا صلى الله عليه وسلم كان أشد؛ لأنه سيخرج في هذه الأمة، وخروجه أمر عظيم وجسيم، وتبلغ فتنته مبلغاً لا يعلمه إلا الله، أما ترى أننا نتعوذ من فتنته في دبر كل صلاة، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، وأنه يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر عليهم، ويأمر الأرض أن تنبت لهم، إنها والله فتنة عظيمة، لذلك حذر الأنبياء منها، وكان نبينا أشد الأنبياء تحذيراً.
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال:(خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وكان أكثر خطبته عن الدجال والتحرز منه، وكان من قوله: يا أيها الناس! إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً بعد نوح عليه السلام إلا حذره أمته، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه يخرج من خلة بين العراق والشام، فيعيث يميناً ويعيث شمالاً، ألا يا عباد الله فاثبتوا، فإنه يبدأ فيقول: أنا نبي، ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم، ولن تروا ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، وربكم ليس بأعور، مكتوب على جبهته: كافر، يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب).
إنها فتنة عظيمة عباد الله! وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يخرج حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر، من أجل هذا اخترت الحديث عنه حتى لا تسكت المنابر عن التحذير من فتنته.
فهيا معاً نطوف بين الأحاديث والآثار التي تحذر وتنذر وتخبر عن فتنته، وقد أطيل قليلاً لكني أردت أن يكون الحديث تاماً ومتصلاً من وقت خروجه إلى نهايته.