خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ألف من الرجال، وباتوا يوم السبت خارج المدينة، وقبيل الفجر غير النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه، ثم صلى الفجر مع أصحابه، وهم بكامل عدتهم الحربية، ثم لما انتهوا من الصلاة بدأت مؤامرة المنافقين، فانسحب ابن سلول بثلاثمائة من الرجال، وكان الهدف من الانسحاب خلخلة الصف، وتفريق كلمة المسلمين، مع أنه قد حانت ساعة الصفر، وما بينهم وبين عدوهم إلا أمتار، وما بينهم وبين عدوهم إلا لحظات حتى يستقبلوهم بالقتال، فاختار عدو الله تلك اللحظة حتى يفعل فعلته، فرجع معه المنافقون وعددهم ثلاثمائة، وقال: استشار الولدان حين أشاروا عليه بالخروج، وأنا أشرت عليه بالبقاء في المدينة ولم يسمع كلامي، وكاد ببلبلته أن يفتن طائفتين من المؤمنين، طائفة من الأوس وطائفة من الخزرج، فقال الله جل في علاه:{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:١٢١ - ١٢٢] فلولا أن ثبت الله المؤمنين لنكص منهم نفر على أدبارهم، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بعد هذا الخبر، فكانت ردة فعل المسلمين شديدة، واختلفوا في رأيهم ماذا نصنع بهؤلاء؟ فقالت طائفة: نقتل هؤلاء المنافقين قبل أن يرجعوا إلى المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(بل دعوهم) وأنزل الله {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}[الأنفال:٢٣].
وهذه حكمة عسكرية كبيرة؛ لأنه لو تلاحم معهم في الصفوف والكفار على مقربة منهم لاشتعلت النار على المسلمين من كل الجهات.